البداء (تفصیلی) - الصفحه 14

هذا فإنّ أيّ شيء ـ حتّى القضاء والقدر ـ لا يمكنه أن يحدّ من قدرة اللّه ومالكيته ويغلّ يده عن التغيير ، قال تعالى :
«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ». ۱
وليس مراد اليهود من قولهم : «يد اللّه مغلولة» أنّ للّه يدا وأنّ يداه مغلولتان بحبل مثلاً، بل إنّهم كانوا يعتقدون بأنّ اللّه «قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص» فقال اللّه ـ جلّ جلاله ـ تكذيبا لقولهم: «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . ۲
وهكذا فإنّ الاعتقاد بالبداء الّذي هو الاعتقاد ببسط يد اللّه في التقديرات، هو ردّ على اعتقاد اليهود بأنّ يد اللّه مغلولة ، وإنّ الذين ينكرون البداء بمعناه الصحيح، إنّما هم في صفّ اليهود ، ومن الطريف أن نعلم أنّ بعض منكري البداء يتّهمون الشيعة بتوافقهم مع اليهود في البداء ۳ ، في حين أنّ معارضي البداء يتّفقون مع اليهود استنادا إلى الآية المتقدّمة .
ويبدو لنا أنّ أحد أسباب إنكار البداء من قبل أهل السنّة ، هو وجود جملة من الأحاديث في مصادرهم المعتبرة تدلّ على أنّ اللّه قد فرغ من القضاء والقدر ، وتنفي كلّ تغيير فيهما ، وسنجعل هذه الأحاديث في معرض البحث والتّقويم في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى .

1.. المائدة : ۶۴ .

2.. راجع: التوحيد : ص ۱۶۷ .

3.. راجع : تحفة اثنا عشريّة : ج ۲ ص ۹۳۹ ح ۷۷۲ ، الشيعة والسنّة : ص ۲۳ ، بين الشيعة وأهل السنّة : ص ۱۸۲ ، اُصول مذهب الشيعة : ج ۲ ص ۹۳۹ .

الصفحه من 76