البرهان (تفصیلی) - الصفحه 9

4 . أوصاف البراهين الإلهيّة وأنواعها

وصفت البراهين الإلهية بأربع صفات ، استناداً إلى النصوص التي جاءت في الفصل الرابع ، وهي : الوضوح ، البلوغ ، الشمول والدوام . وما يستحقّ البحث والدراسة هو : هل إنّ جميع البراهين الإلهية تتوفّر فيها هذه الأوصاف ، أم أنّ الخصائص المذكورة تختصّ بنوع خاصّ من البراهين الإلهية ؟
للإجابة على هذا السؤال يجب القول إنّ البراهين الإلهية تنقسم إلى طائفتين : البراهين الظاهرة والبراهين الباطنة ، كما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام :
إنَّ للّه ِِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ : حُجَّةً ظاهِرَةً وحُجَّةً باطِنَةً ؛ فَأَمَّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأَنبِياءُ وَالأَئِمَّةُ عليهم السلام ، وأَمَّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ . ۱
وتتمتّع براهين اللّه تعالى الباطنية ـ أي البراهين الفطرية والعقلية ـ بجميع الخصائص التي سبقت الإشارة إليها ، بمعنى أن جميع أفراد البشر كانوا على مرّ التاريخ يميّزون بشكل واضح بين الخير والشرّ ، فهم يعرفون على سبيل المثال أنّ العدل خير والظلم شر :
«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّيهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَيهَا » . ۲
ولعلّ في الرواية التالية عن الإمام الصادق عليه السلام ، إشارة إلى هذا المعنى :
ما مِن عَبدٍ إلّا وللّه ِِ عَلَيهِ حُجَّةٌ . ۳
وأمّا البراهين الإلهية الظاهرة ـ أي الأنبياء وأوصياؤهم ـ فإنّها لا تشتمل على جميع الأوصاف التي سبقت الإشارة إليها ، فما أكثر ما تكون الحجة الإلهية غير ظاهرة بسبب وجود المانع أو لا تكون في متناول كلّ الناس ، كما هو الحال بالنسبة إلى الإمام المهدي(عج) فإنّه غائب عن الأنظار منذ قرون ، وقد روي في هذا المجال عن الإمام علي عليه السلام :
لا تَخلُو الأَرضُ مِن قائِمٍ للّه ِِ بِحُجَّةٍ ، إمّا ظاهِرا مَشهورا ، وإمّا خائِفا ۴ مَغمورا لِئَلّا تَبطُلَ حُجَجُ اللّه ِ وبَيِّناتُهُ . ۵
وأما فيما يتعلق بفائدة البرهان المخفي والإمام الغائب للمجتمع ، فإنّ ذلك يمثّل موضوعاً آخر مرّ بيانه في مبحث الإمامة . ۶
والملاحظة الملفتة للنظر هي أنّ البرهان الباطني أي البرهان الفطري والعقلي لا يمكن أن يكون مبنى ومعيار التكليف الإلهي ، حيث يصرّح القرآن :
«وَ مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا » . ۷
وهذا الكلام يعني أنّ الإنسان رغم أنّه يستطيع بنفسه التمييز بشكل إجمالي بين الخير والشرّ ، إلّا أنّ اللّه سوف لا يؤاخذه ما لم تصله التكاليف الإلهية عن طريق الأنبياء أو أوصيائهم .

1.راجع : ص ۱۹۱ ح ۹۱۵۴ .

2.الشمس : ۷ و ۸ .

3.راجع : ص ۲۲۲ ح ۹۲۶۸.

4.في الأمالي للطوسي : « مستترا » بدل « خائفا » .

5.راجع : ص ۲۲۴ ح ۹۲۷۲.

6.راجع : هذه الموسوعة : ج ۴ ص ۱۸۴ (بحث حول فلسفة الإمامة والقيادة) .

7.الإسراء : ۱۵ .

الصفحه من 60