البصیرة (تفصیلی) - الصفحه 43

توضيح حول البصيرة و هل هي حصيلة الاعتبار ، أم محصّلته ؟

إنّ الاعتبار والأخذ بالدروس والعبر هما عامل ظهور البصيرة استناداً إلى بعض روايات الفصل الرابع :
مَنِ اعتَبَرَ أبصَرَ . ۱
وعلى العكس من ذلك ، فإنَّ روايات هذا الباب تدلَّ على أنَّ البصيرة هي التي توجب الاعتبار والاتّعاظ :
بِالاِستِبصارِ يَحصُلُ الاِعتِبارُ . ۲
وبناء على ذلك فإنّ من المناسب أن نطرح السؤال التالي : كيف يمكن أن تكون البصيرة حصيلة الاعتبار ومحصّلته في نفس الوقت ؟ أَوَ ليس ذلك من المستبعد وهل تتعارض روايات البابين ؟
الجواب على ذلك سلبي ، لأنّ البصيرة المحصّلة للاعتبار تختلف عن البصيرة التي هي حصيلتها .
ولإيضاح ذلك نقول: إنّ البصيرة الاُولى ، هي الرؤية التي يتمتّع بها كلّ الناس بشكل ذاتي وتعزّز بإرشادات الأنبياء ، ويسمّى العمل بمقتضى هذه البصيره اعتباراً ، والاعتبار المتحصّل من البصيرة الاُولى هو بدوره العامل الموجد لبصيرة جديدة تحمل معها اعتباراً أكثر جدة كما أنّ البصيرة كلّما ازدادت ، ازداد الاعتبار وتلقي العبر وكلّما ازداد الاعتبار ، اكتسبت رؤية البصيرة المزيد من القوّة . كالسائر في ظلمة الليل فإنّه يسير مستضيئاً بالنور ، وهنا أيضاً تكون الرؤية مقدّمة السير ، والسير مقدّمة رؤية امتداد الطريق حتى بلوغ المقصد .
وبناء على ذلك ، فإنّ الجواب على السؤال السابق يتمثّل في أنّ البصيرة هي حصيلة الاعتبار ومحصّلته في نفس الوقت ، إلّا أنّ هاتين البصيرتين تختلفان بعضهما عن البعض . كما نرى ذلك في مفهوم الروايات الإسلامية ، فإنّ العلم يجمع بين كونه حصيلة (حاصل) العمل ومُحَصِّلُهُ ، ولكنّ العلم الذي هو حصيلة العمل يختلف عن العلم الذي يمثّل محصوله .

1.راجع : ص ۳۵۵ ح ۹۶۲۲.

2.راجع : ص ۳۶۶ ح ۹۶۶۳.

الصفحه من 68