البصیرة (تفصیلی) - الصفحه 5

البصيرة في الكتاب والسنة

تكرّرت اشتقاقات «البصر» في القرآن 148 مرة ، وتكرّرت كلمة «البصيرة» مرّتين . وبشكل عامّ فقد استعملت كلمة «البصر» في النصوص الإسلامية بمعنى الرؤية الظاهرية والحسّية حيناً ، وفي الرؤية الباطنية والعقلية حيناً آخر .
وبعبارة اُخرى ، فإنّ الناس ينقسمون من حيث البصيرة إلى قسمين :
القسم الأوّل ، تكون بصيرة عقولهم سطحية ، ولا يرون مستقبلهم ومستقبل العالم، وتتلخّص إدراكاتهم في المحسوسات ، وهم على التعبير الجميل في القرآن :
«يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنِ الْاخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ » . ۱
ورغم أنّ هذه الطائفة بصيرة في الظاهر ، إلّا أنّها تعتبر عمياء في ثقافة الكتاب والسنة .
وقد أشار الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه في المدينة إلى هذه الملاحظة المهمة ، كالتالي :
ما كُلُّ ذي قَلبٍ بِلَبيبٍ ، ۲ ولا كُلُّ ذي سَمعٍ بِسَميعٍ ، ولا كُلُّ ناظِرٍ بِبَصيرٍ . ۳
وأمّا الطائفة الثانية ، فإنّها ذات نظرة شمولية وواقعية ، فهي ترى بوضوح كلّاً من القريب والبعيد ، ولا تتلخّص إدراكاتهم في المحسوسات ، فهم يرون كلّاً من دار الدنيا ودار الآخرة . وتسمّى هذه الطائفة من الناس في ثقافة الكتاب والسنّة بصيرة . وهناك رواية عن الإمام علي عليه السلام عرّفت هاتين الطائفتين من الناس كالتالي :
إنَّمَا الدُّنيا مُنتَهى بَصَرِ الأَعمى ، لا يُبصِرُ مِمّا وَراءَها شَيئاً ، وَالبَصيرُ يَنفُذُها بَصَرُهُ ، ويَعلَمُ أنَّ الدّارَ وَراءَها . فَالبَصيرُ مِنها شاخِصٌ ۴ ، وَالأَعمى إلَيها شاخِصٌ ، وَالبَصيرُ مِنها مُتَزَوِّدٌ ، وَالأَعمى لَها مُتَزَوِّدٌ . ۵
وبناءً على ذلك ، فإنّ البصيرة الحقيقية في ثقافة الكتاب والسنة تعني الرؤية الشمولية والرؤية المستقبلية العلمية والعملية ، والأشخاص الذين يُسمَّون بصيرين هم الذين يتحرّكون في دنياهم وآخرتهم على ضوء الرؤية الصحيحة باتجاه تأمين المصالح المادية والمعنوية ، وجميع الآيات والروايات التي جاءت في هذا الباب حول رؤية البصيرة ، قيمة البصيرة ، عوامل تعزيز البصيرة ، مبادئها وآثارها وموانعها ، تؤيّد التعريف المذكور . ومن الضروري الالتفات إلى الملاحظات التالية قبل النظر في الآيات والروايات ذات العلاقة :

1.الروم : ۷ .

2.اللبيبُ : العاقِلُ (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۶۱۶ «لبب») .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۸۸ ، الكافي : ج ۸ ص ۶۴ ح ۲۲ ، الإرشاد : ج ۱ ص ۲۹۲ كلاهما عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام ، وفيهما «ولا كلّ ذي ناظر عين ببصير» بدل «ولا كلّ ناظر ببصير» ، بحار الأنوار : ج ۳۲ ص ۴۳ ح ۲۸ .

4.شاخِص : أي مسافر (النهاية : ج ۲ ص ۴۵۱ «شخص») .

5.راجع : ص ۳۶۵ ح ۹۶۶۰.

الصفحه من 68