البلد (تفصیلی) - الصفحه 60

من جانب آخر فإنّ معظم فقهاء الشيعة البارزين لم يفهموا الوجوب والحرمة من هاتين المجموعتين ، بل رأوا أنّ مدلول كلتا المجموعتين هو الاستحباب والكراهة ، ثمّ قدّموا جانب النهي وأفتوا بكراهة الإقامة في مكّة ، ويمكن بطريق الأولوية اعتبار الاستيطان والحضور الدائم فيها مكروها . وممّا يجدر ذكره أنّ هذا هو الحكم الأوّلي والعادي للمسألة ، وإلّا فقد تكون الهجرة من مكّة واجبة بسبب وجوب نصرة النبي صلى الله عليه و آله في المدينة ، أو تكون الإقامة الطويلة واجبة على بعض الأفراد للمحافظة على بيت اللّه وإقامة شعائر الحجّ بشكل مهيب ، ويمكن تعزيز الحكم المشهور للفقهاء بالاعتبارات العُقلائية والاستدلال بأنه لو قصدت نسبة واحد بالمئة من المسلمين الحاليّين فقط الإقامة والتوطّن في مكة ، فسوف لا يبقى مكان لإقامة الحجّاج ولتحوّلت مدينة مكّة ـ التي ينبغي لها أن تكون رمزا لعظمة الإسلام ـ إلى مدينة كبيرة مزدحمة وغير منظّمة .
وفي قبال الرأي المشهور بين الفقهاء، رجّح بعض الفقهاء المتأخّرين ـ كالمحقّق الأردبيلي ـ جانب الاستحباب على جانب الكراهة ، وحدّدوا إطلاق الكراهة بأوضاع خاصّة . وقد اعتبروا الإقامة الطويلة الأمد ، أو الإقامة التي تحطّ من مكانة الحرم المكّي لدى المقيم ، بحيث لا تمنعه من ارتكاب الحرام عند بيت اللّه ، مكروهَين . ونظرا للتعليلات المذكورة في الروايات ؛ مثل تسبّب الإقامة في قساوة القلب ، فإنّهم لا يرون الإقامة مكروهة لجميع الأفراد .
ويمكننا الإجابة بالقول بأنّ الالتزام بهذه القيود يضيّق من الدائرة إلى درجة بحيث لا يمكن رعايتها إلا من قبل أشخاص قلائل ، ولذا فإنّ الحكم العامّ والأصل الأوّلي هو كراهة الإقامة الطويلة والاستيطان في مكّة .
ونذكّر هنا بأنّ التعارض بين الروايات يقتصر على الإقامة في مكّة ، وأمّا المدينة

الصفحه من 74