البلاء (تفصیلی) - الصفحه 107

ولَقَد دَخَلَ موسَى بنُ عِمرانَ ومَعَهُ أخوهُ هارونُ عليهماالسلام عَلى فِرعَونَ ، وعَلَيهِما مَدارِعُ ۱ الصّوفِ ، وبِأَيدِيهِمَا العِصِيُّ ، فَشَرَطا لَهُ ـ إن أسلَمَ ـ بَقاءَ مُلكِهِ ، ودَوامَ عِزِّهِ ، فَقالَ : «ألا تَعجَبونَ مِن هذَينِ يَشرِطانِ لي دَوامَ العِزِّ ، وبَقاءَ المُلكِ ، وهُما بِما تَرَونَ مِن حالِ الفَقرِ وَالذُّلِّ ! فَهَلّا اُلقِيَ عَلَيهِما أساوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ» ؟ إعظاما لِلذَّهَبِ وجَمعِهِ ، وَاحتِقارا لِلصّوفِ ولُبسِهِ ! ولَو أرادَ اللّهُ سُبحانَهُ لِأَنبِيائِهِ حَيثُ بَعَثَهُم أن يَفتَحَ لَهُم كُنوزَ الذِّهبانِ ، ومَعادِنَ العِقيانِ ، ومَغارِسَ الجِنانِ ، وأَن يَحشُرَ مَعَهُم طُيورَ السَّماءِ ووُحوشَ الأَرَضينَ لَفَعَلَ ، ولَو فَعَلَ لَسَقَطَ البَلاءُ ، وبَطَلَ الجَزاءُ ، وَاضمَحَلَّتِ الأَنباءُ ، ولَما وَجَبَ لِلقابِلينَ اُجورُ المُبتَلَينَ ، ولَا استَحَقَّ المُؤمِنونَ ثَوابَ المُحسِنينَ ، ولا لَزِمَتِ الأَسماءُ مَعانِيَها ؛ ولكِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ اُولي قُوَّةٍ في عَزائِمِهِم ، وضَعَفَةً فيما تَرَى الأَعيُنُ مِن حالاتِهِم ، مَعَ قَناعَةٍ تَملَأُ القُلوبَ وَالعُيونَ غِنىً ، وخَصاصَةٍ ۲ تَملَأُ الأَبصارَ وَالأَسماعَ أذىً .
ولَو كانَتِ الأَنبِياءُ أهلَ قُوَّةٍ لا تُرامُ ، وعِزَّةٍ لا تُضامُ ، ومُلكٍ تُمَدُّ نَحوَهُ أعناقُ الرِّجالِ ، وتُشَدُّ إلَيهِ عُقَدُ الرِّحالِ ، لَكانَ ذلِكَ أهوَنَ عَلَى الخَلقِ فِي الاِعتِبارِ ، وأَبعَدَ لَهُم فِي الاِستِكبارِ ، ولَامَنوا عَن رَهبَةٍ قاهِرَةٍ لَهُم ، أو رَغبَةٍ مائِلَةٍ بِهِم ، فَكانَتِ النِّيّاتُ مُشتَرِكَةً ، وَالحَسَناتُ مُقتَسَمَةً ؛ ولكِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أرادَ أن يَكونَ الاِتِّباعُ لِرُسُلِهِ ، وَالتَّصديقُ بِكُتُبِهِ ، وَالخُشوعُ لِوَجهِهِ ، وَالاِستِكانَةُ لِأَمرِهِ ، وَالاِستِسلامُ لِطاعَتِهِ ، اُمورا لَهُ خاصَّةً ، لا تَشوبُها مِن غَيرِها شائِبَةٌ . وكُلَّما كانَتِ البَلوى وَالاِختِبارُ أعظَمَ كانَتِ المَثوبَةُ وَالجَزاءُ أجزَلَ . ۳

1.المدَرَعَةُ : ثوب من صوف (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۵۸۸ «درع») .

2.الخَصاصَةُ : الجوعُ والضعف ، وأصلها الفقر والحاجة (النهاية : ج ۲ ص ۳۷ «خصص») .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۲ ، بحار الأنوار : ج ۱۴ ص ۴۶۸ ح ۳۷ .

الصفحه من 118