البلاء (تفصیلی) - الصفحه 23

تَقَوَّسَ ظَهرُهُ ، وأَدبَرَتِ الدُّنيا عَن يَعقوبَ ووُلدِهِ حَتَّى احتاجوا حاجَةً شَديدَةً ، وفَنِيَت ميرَتُهُم ، فَعِندَ ذلِكَ قالَ يَعقوبُ لِوُلدِهِ : «اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لَا تَاْيْـ?سُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَاْيْـ?سُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»۱ . فَخَرَجَ مِنهُم نَفَرٌ وبَعَثَ مَعَهُم بِبِضاعَةٍ يَسيرَةٍ ، وكَتَبَ مَعَهُم كِتابا إلى عَزيزِ مِصَر يَتَعَطَّفُهُ عَلى نَفسِهِ ووُلدِهِ ، وأَوصى وُلدَهُ أن يُبدوا بِدَفعِ كِتابِهِ قَبلَ البِضاعَةِ ، فَكَتَبَ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، إلى عَزيزِ مِصرَ و مُظهِرِ العَدلِ ومُوفِي الكَيلِ ، مِن يَعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ خَليلِ اللّهِ صاحِبِ نُمرودَ ، الَّذي جَمَعَ لِاءِبراهيمَ الحَطَبَ وَالنّارَ لِيُحرِقَهُ بِها ، فَجَعَلَهَا اللّهُ عَلَيهِ بَردا وسَلاما وأَنجاهُ مِنها ، اُخبِرُكَ أيُّهَا العَزيزُ ، إنّا أهلُ بَيتٍ قَديمٍ لَم يَزَلِ البَلاءُ إلَينا سَريعا مِنَ اللّهِ ؛ لِيَبلُوَنا بِذلِكَ عِندَ السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ ، وأَنَّ مَصائِبَ تَتابَعَت عَلَيَّ مُنذُ عِشرينَ سَنَةً ، أوَّلُها أنَّهُ كانَ لِيَ ابنٌ سَمَّيتُهُ يوسُفَ ، وكانَ سُروري مِن بَينِ وُلدي وقُرَّةَ عَيني وثَمَرَةَ فُؤادي ، وإنَّ إخوَتَهُ مِن غَيرِ اُمِّهِ سَأَلوني أن أبعَثَهُ مَعَهُم يَرتَعُ ويَلعَبُ ، فَبَعَثتُهُ مَعَهُم بُكرَةً ، وإنَّهُم جاؤوني عِشاءً يَبكونَ ، وجاؤوني عَلى قَميصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ فَزَعَموا أنَّ الذِّئبَ أكَلَهُ ، فَاشتَدَّ لِفَقدِهِ حُزني وكَثُرَ عَلى فِراقِهِ بُكائي ، حَتَّى ابيَضَّت عَينايَ مِنَ الحُزنِ .
وإنَّهُ كانَ لَهُ أخٌ مِن خالَتِهِ ، وكُنتُ بِهِ مُعجَبا وعَلَيهِ رَفيقا ، وكانَ لي أنيسا ، وكُنتُ إذا ذَكَرتُ يوسُفَ ضَمَمتُهُ إلى صَدري فَيَسكُنُ بَعضُ ما أجِدُ في صَدري ، وإنَّ إخوَتَهُ ذَكَروا لي أنَّكَ أيُّهَا العَزيزُ سَأَلتَهُم عَنهُ وأَمَرتَهُم أن يَأتوكَ بِهِ ، وإن لَم يَأتوكَ بِهِ مَنَعتَهُمُ الميرَةَ ۲ لَنا مِنَ القَمحِ مِن مِصرَ ، فَبَعَثتُهُ مَعَهُم لِيَمتاروا لَنا قَمحا ، فَرَجَعوا

1.يوسف: ۸۷.

2.الميرَةُ : الطعام (الصحاح : ج ۲ ص ۸۲۱ «مير») .

الصفحه من 118