البلاء (تفصیلی) - الصفحه 24

إلَيَّ فَلَيسَ هُوَ مَعَهُم ، وذَكَروا أنَّهُ سَرَقَ مِكيالَ المَلِكِ ! ونَحنُ أهلُ بَيتٍ لا نَسرِقُ ، وقَد حَبَستَهُ وفَجَعتَني بِهِ ، وقَدِ اشتَدَّ لِفِراقِهِ حُزني حَتّى تَقَوَّسَ لِذلِكَ ظَهري ، وعَظُمَت بِهِ مُصيبَتي مَعَ مَصائِبَ مُتَتابِعاتٍ عَلَيَّ ، فَمُنَّ عَلَيَّ بِتَخلِيَةِ سَبيلِهِ وإطلاقِهِ مِن مَحبَسِهِ ، وطَيِّب لَنَا القَمحَ ، وَاسمَح لَنا فِي السِّعرِ ، وعَجِّل بِسَراحِ آلِ يَعقوبَ .
فَلَمّا مَضى وُلدُ يَعقوبَ مِن عِندِهِ نَحوَ مِصرَ بِكِتابِهِ ، نَزَلَ جَبرَئيلُ عَلى يَعقوبَ فَقالَ لَهُ : يا يَعقوبُ ، إنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : مَنِ ابتَلاكَ بِمَصائِبِكَ الَّتي كَتَبتَ بِها إلى عَزيزِ مِصرَ ؟ قالَ يَعقوبُ : أنتَ بَلَوتَني بِها عُقوبَةً مِنكَ وأَدَبا لي ، قالَ اللّهُ : فَهَل كانَ يَقدِرُ عَلى صَرفِها عَنكَ أحَدٌ غَيري ؟ قالَ يَعقوبُ : اللّهُمَّ لا ، قالَ : أفَمَا استَحيَيتَ مِنّي حينَ شَكَوتَ مَصائِبَكَ إلى غَيري ولَم تَستَغِث بي وتَشكو ما بِكَ إلَيَّ ؟
فَقالَ يَعقوبُ : أستَغفِرُكَ يا إلهي وأَتوبُ إلَيكَ ، وأَشكو بَثّي وحُزني إلَيكَ . فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : قَد بَلَغتُ بِكَ يا يَعقوبُ وبِوُلدِكَ الخاطِئينَ الغايَةَ في أدَبي ، ولَو كُنتَ يا يَعقوبُ شَكَوتَ مَصائِبَكَ إلَيَّ عِندَ نُزولِها بِكَ ، وَاستَغفَرتَ وتُبتَ إلَيَّ مِن ذَنبِكَ ، لَصَرَفتُها عَنكَ بَعدَ تَقديري إيّاها عَلَيكَ ، ولكِنَّ الشَّيطانَ أنساكَ ذِكري ، فَصِرتَ إلَى القُنوطِ مِن رَحمَتي ، وأَنَا اللّهُ الجَوادُ الكَريمُ ، اُحِبُّ عِبادِيَ المُستَغفِرينَ التّائِبينَ الرّاغِبينَ إلَيَّ فيما عِندي .
يا يَعقوبُ ، أنَا رادٌّ إلَيكَ يوسُفَ وأَخاهُ ، ومُعيدٌ إلَيكَ ما ذَهَبَ مِن مالِكَ ولَحمِكَ ودَمِكَ ، ورادٌّ إلَيكَ بَصَرَكَ ، ومُقَوِّمٌ لَكَ ظَهرَكَ ، فَطِب نَفسا وقَرَّ عَينا ، وإنَّ الَّذي فَعَلتُهُ بِكَ كانَ أدَبا مِنّي لَكَ ، فَاقبَل أدَبي .
قالَ : ومَضى وُلدُ يَعقوبَ بِكِتابِهِ نَحوَ مِصرَ ، حَتّى دَخَلوا عَلى يوسُفَ في

الصفحه من 118