البلاء (تفصیلی) - الصفحه 34

أنَّهُ حَيٌّ وقَد فارَقَهُ مُنذُ عِشرينَ سَنَةً وذَهَبَت عَيناهُ مِنَ البُكاءِ عَلَيهِ ؟ قالَ : نَعَم عَلِمَ أنَّهُ حَيٌّ ، حَتّى إنَّهُ دَعا رَبَّهُ فِي السَّحَرِ أن يَهبِطَ عَلَيهِ مَلَكُ المَوتِ ، فَهَبَطَ عَلَيهِ مَلَكُ المَوتِ في أطيَبِ رائِحَةٍ وأَحسَنِ صورَةٍ ، فَقالَ لَهُ : مَن أنتَ ؟ قالَ : أنا مَلَكُ المَوتِ ، ألَيسَ سَأَلتَ اللّهَ أن يُنزِلَني عَلَيكَ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : ما حاجَتُكَ يا يَعقوبُ ؟ قالَ لَهُ : أخبِرني عَنِ الأَرواحِ ، تَقبِضُها جُملَةً أو تَفاريقاً ؟ قالَ : يَقبِضُها أعواني مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ تُعرَضُ عَلَيَّ مُجتَمِعَةً . قالَ يَعقوبُ : فَأَسأَ لُكَ بِإِلهِ إبراهيمَ وإسحاقَ ويَعقوبَ ، هَل عُرِضَ عَلَيكَ فِي الأَرواحِ روحُ يوسُفَ ؟ فَقالَ : لا . فَعِندَ ذلِكَ عَلِمَ أنَّهُ حَيٌّ ، فَقالَ لِوُلدِهِ : « اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لَا تَاْيْـ?سُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَاْيْـ?سُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ » .
فَكَتَبَ عَزيزُ مِصرَ إلى يَعقوبَ : أمّا بَعدُ ، فَهذَا ابنُكَ قَدِ اشتَرَيتُهُ بِثَمَنٍ بَخسٍ دَراهِمَ مَعدودَةٍ ، وهُوَ يوسُفُ وَاتَّخَذتُهُ عَبداً ، وهذَا ابنُكَ بِنيامينُ وقَد وَجَدتُ مَتاعي عِندَهُ وَاتَّخَذتُهُ عَبداً . فَما وَرَدَ عَلى يَعقوبَ شَيءٌ أشَدَّ عَلَيهِ مِن ذلِكَ الكِتابِ ، فَقالَ لِلرَّسولِ : مَكانَكَ حَتّى اُجيبَهُ . فَكَتَبَ إلَيهِ يَعقوبُ عليه السلام :
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِن يَعقوبَ إسرائيلِ اللّهِ ابنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ خَليلِ اللّهِ ، أمّا بَعدُ ، فَقَد فَهِمتُ كِتابَكَ تَذكُرُ فيهِ أنَّكَ اشتَرَيتَ ابني وَاتَّخَذتَهُ عَبداً ، وأَنَّ البَلاءَ مُوَكَّلٌ بِبَني آدَمَ ؛ إنَّ جَدِّي إبراهيمَ ألقاهُ نُمرودُ مَلِكُ الدُّنيا فِي النَّارِ فَلَم يَحتَرِق وجَعَلَهَا اللّهُ عَلَيهِ بَرداً وسَلاماً ، وإنَّ أبي إسحاقَ أمَرَ اللّهُ تَعالى جَدّي أن يَذبَحَهُ بِيَدِهِ ، فَلَمّا أرادَ أن يَذبَحَهُ فَداهُ اللّهُ بِكَبشٍ عَظيمٍ ، وإنَّهُ كانَ لي وَلَدٌ لَم يَكُن فِي الدُّنيا أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِنهُ ، وكانَ قُرَّةَ عَيني وثَمَرَةَ فُؤادي ، فَأَخرَجُوهُ إخوَتُهُ ثُمَّ رَجَعوا إلَيَّ وزَعَموا أنَّ الذِّئبَ أكَلَهُ ، فَاحدَودَبَ لِذلِكَ ظَهري وذَهَبَ مِن كَثرَةِ البُكاءِ عَلَيهِ

الصفحه من 118