البلاء (تفصیلی) - الصفحه 62

عَلَيهِمُ الباقونَ ، كَما قَصَّ اللّهُ تَعالى : «وَسْـ?لْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ» الآيَةَ .
وذلِكَ أنَّ طائِفَةً مِنهُم وَعَظوهُم وزَجَرُوهُم ، ومِن عَذابِ اللّهِ خَوَّفوهُم ، ومِنِ انتِقامِهِ وشَديدِ بَأسِهِ حَذَّرُوهُم ، فَأَجابوهُم عَن وَعظِهِم : «لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ» بِذُنوبِهِم هَلاكَ الاِصطِلامِ ۱«أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا» .
فَأَجابُوا القائِلينَ لَهُم هذا : «مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ» ؛ هذَا القَولُ مِنّا لَهُم مَعذِرَةٌ إلى رَبِّكُم ، إذ كَلَّفَنَا الأَمرَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ ، فَنَحنُ نَنهى عَنِ المُنكَرِ لِيَعلَمَ رَبُّنا مُخالَفَتَنا لَهُم وكَراهَتَنا لِفِعلِهِم ، قالوا : «وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»۲ ، ونَعِظُهُم أيضاً لَعَلَّهُم تَنجَعُ فيهِمُ المَواعِظُ فَيَتَّقوا هذِهِ الموبِقَةَ ويَحذَروا عُقوبَتَها .
قالَ اللّهُ تَعالى : «فَلَمَّا عَتَوْاْ» ؛ حادُّوا وأَعرَضوا وتَكَبَّرُوا عَن قَبولِهِمُ الزَّجرَ «عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِـ?ينَ»۳ مُبعَدينَ عَنِ الخَيرِ مُقصَينَ .
قالَ : فَلَمّا نَظَرَ العَشَرَةُ الآلافِ وَالنَّيِّفُ أنَّ السَّبعينَ ألفاً لا يَقبَلونَ مَواعِظَهُم ولا يَحفِلونَ بِتَخويفِهِم إيّاهُم وتَحذيرِهِم لَهُم ، اعتَزَلوهُم إلى قَريَةٍ اُخرى قَريبَةٍ مِن قَريَتِهِم ، وقالوا : نَكرَهُ أن يَنزِلَ بِهِم عَذابُ اللّهِ ونَحنُ في خِلالِهِم .
فَأَمسَوا لَيلَةً فَمَسَخَهُمُ اللّهُ كُلَّهُم قِرَدَةً خاسِئينَ ۴ ، وبَقِيَ بابُ المَدينَةِ مُغلَقاً لا يَخرُجُ مِنهُ أحَدٌ ولا يَدخُلُهُ أحَدٌ .
وتَسامَعَ بِذلِكَ أهلُ القُرى فَقَصَدُوهُم وتَسَنَّموا ۵ حِيطانَ البَلَدِ فَاطَّلَعوا عَلَيهِم ، فَإِذا

1.الاصطِلامُ : الاستِئصالُ (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۰۴۶ «صلم») .

2.الأعراف : ۱۶۴ .

3.الأعراف: ۱۶۶.

4.الخاسِئ : المطرود (لسان العرب : ج ۱ ص ۶۵ «خسأ») .

5.تسنّمه: أي علاه (الصحاح: ج ۵ ص ۱۹۵۴ «سنم»).

الصفحه من 118