المباهلة (تفصیلی) - الصفحه 29

مِن قائِلِهِ ، وأَنتَ لعَمرُو اللّهِ حَرِيٌّ ألّا يُؤثَرُ هذا عَنكَ ، فَقَد عَلِمتَ وعَلِمنا اُمَّةَ الإِنجيلِ مَعا بِسيرَةِ ما قامَ بِهِ المَسيحُ عليه السلام في حَوارِيِّهِ ، ومَن آمَنَ لَهُ مِن قَومِهِ ، وهذِهِ مِنكَ فَهَّةٌ ۱ لا يَرحَضُها ۲ إلَا التَّوبَةُ وَالإِقرارُ بِما سَبَقَ بِهِ الإِنكارُ .
فَلَمّا أتى عَلى هذَا الكَلامِ صَرَفَ إلَى السَّيِّدِ وَجهَهُ ، فَقالَ :
لا سَيفَ إلّا ذو نَبوَةٍ ، ولا عَليمَ إلّا ذو هَفوَةٍ ، فَمَن نَزَعَ عَن وَهلَةٍ وأَقلَعَ فَهُوَ السَّعيدُ الرَّشيدُ ، وإنَّمَا الآفَةُ فِي الإِصرارِ .
وأَعرَضتَ بِذِكرِ نَبِيَّينِ يُخلَقانِ ـ زَعَمتَ ـ بَعدَ ابنِ البَتولِ ، فَأَينَ يَذهَبُ بِكَ عَمّا خَلَدَ فِي الصُّحفِ مِن ذِكرى ذلِكَ ؟ ألَم تَعلَم ما أنبَأَ بِهِ المَسيحُ عليه السلام في بَني إسرائيلَ ، وقَولَهُ لَهُم :
«كَيفَ بِكُم إذا ذُهِبَ بي إلى أبي وأَبيكُم ، وخُلِّفَ بَعدَ أعصارٍ يَخلو مِن بَعدي وبَعدِكُم صادِقٌ وكاذِبٌ ؟ قالوا : ومَن هُما يا مَسيحَ اللّهِ ؟ قالَ : نَبِيٌّ مِن ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ عليه السلام صادِقٌ ، ومُتَنَبِّئٌ مِن بَني إسرائيلَ كاذِبٌ ، فَالصّادِقُ مُنبَعِثٌ مِنهُما بِرَحمَةٍ ومَلحَمَةٍ ، يَكونُ لَهُ المُلكُ وَالسُّلطانُ ما دامَتِ الدُّنيا ، وأَمَّا الكاذِبُ فَلَهُ نَبزٌ يُذكَرُ بِهِ المَسيحُ الدَّجّالُ ، يَملِكُ فُواقا ۳ ثُمَّ يَقتُلُهُ اللّهُ بِيَدي إذا رُجِعَ بي» .
قالَ حارِثَةُ : واُحَذِّرُكُم يا قَومِ أن يَكونَ مَن قَبلَكُم مِنَ اليَهودِ اُسوَةً لَكُم ، إنَّهُم اُنذِروا بِمَسيحَينِ ؛ مَسيحِ رَحمَةٍ وهُدىً ، ومَسيحِ ضَلالَةٍ ، وجُعِلَ لَهُم عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهُما آيَةٌ وأَمارَةٌ ، فَجَحَدوا مَسيحَ الهُدى وكَذَّبوا بِهِ ، وآمَنوا بِمَسيحِ الضَّلالَةِ الدَّجّالِ

1.الفهه والفهاهة : العيّ (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۴۵ «فهه») .

2.يَرحضُها : أي يغسلها (النهاية : ج ۲ ص ۲۰۸ «رحض») .

3.الفَواقُ : ما بين الحلبتين من الوقت ـ أي قليلاً من الوقت ـ (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۴۶ «فوق») .

الصفحه من 110