المباهلة (تفصیلی) - الصفحه 30

وأَقبَلوا عَلَى انتِظارِهِ ، وأَضرَبوا فِي الفِتنَةِ ورَكِبُوا نَتجَها ، ومِن قَبلُ نَبَذوا كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهورِهِم وقَتَلوا أنبِياءَهُ وَالقَوّامينَ بِالقِسطِ مِن عِبادِهِ ، فَحَجَبَ اللّهُ عز و جل عَنهُمُ البَصيرَةَ بَعدَ التَّبصِرَةِ بِما كَسَبَت أيديهِم ، ونَزَعَ مُلكَهُم مِنهُم بِبَغيِهِم ، وأَلزَمهُمُ الذِّلَّةَ وَالصَّغارَ ، وجَعَلَ مُنقَلَبَهُم إلَى النّارِ .
قالَ العاقِبُ : فَما أشعَرَكَ ـ يا حارِ ـ أن يَكونَ هذَا النَّبِيُّ المَذكورُ فِي الكُتُبِ هُوَ قاطِنُ يَثرِبَ ، ولَعَلَّهُ ابنُ عَمِّكَ صاحِبُ اليَمامَةِ ، فَإِنَّهُ يَذكُرُ مِنَ النُّبُوَّةِ ما يَذكُرُ مِنها أخو قُرَيشٍ ، وكِلاهُما مِن ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ ولِجَميعِهِما أتباعٌ وأَصحابٌ ، يَشهَدونَ بِنُبُوَّتِهِ ويُقِرّونَ لَهُ بِرِسالَتِهِ ، فَهَل تَجِدُ بَينَهُما في ذلِكَ مِن فاصِلَةٍ فَتَذكُرُها ؟
قالَ حارِثَةُ : أجَل وَاللّهِ ، أجِدُها وَاللّهِ أكبَرَ وأَبعَدَ مِمّا بَينَ السَّحابِ وَالتُّرابِ ، وهِيَ الأَسبابُ الَّتي بِها وبِمِثلِها تَثبُتُ حُجَّةُ اللّهِ في قُلوبِ المُعتَبِرينَ مِن عِبادِهِ لِرُسُلِهِ وأَنبِيائِهِ .
وأَمّا صاحِبُ اليَمامَةِ فَيَكفيكَ فيهِ ما أخبَرَكُم بِهِ سُفَراؤُكُم وغَيرُكُم ۱ ، وَالمُنتَجِعَةُ ۲ مِنكُم أرضَهُ ، ومَن قَدِمَ مِن أهلِ اليَمامَةِ عَلَيكُم ، ألَم يُخبِروكُم جَميعا عَن رُوّادِ مُسَيلِمَةَ وسَمّاعيهِ ، ومَن أوفَدَهُ صاحِبُهُم إلى أحمَدَ بِيَثرِبَ ، فَعادوا إلَيهِ جَميعا بِما تَعَرَّفوا هُناكَ في بَني قيلَةَ وتَبَيَّنوا بِهِ ! قالوا : قَدِمَ عَلَينا أحمَدُ يَثرِبَ وبِئارُنا ثِمادٌ ۳ ومِياهُنا مَلِحَةٌ ، وكُنّا مِن قَبلِهِ لا نَستَطيبُ ولا نَستَعذِبُ ، فَبَصَقَ في بَعضِها ومَجَّ ۴ في بَعضٍ فَعادَت عِذابا مُحلَولِيةً ، وجاشَ ۵ مِنها ما كانَ ماؤُها ثِمادا فَحارَ ۶ بَحرا .

1.في بحار الأنوار : «وعِيرُكُم» .

2.النُّجعة : طلب الكلأ في موضعه (تاج العروس : ج ۱۱ ص ۴۶۹ «نجع») .

3.الثَمدُ : الماء القليل (النهاية : ج ۱ ص ۲۲۱ «ثمد») .

4.مجّ الرجل الشراب من فيه : إذا رمى به (الصحاح : ج ۱ ص ۳۴۰ «مجج») .

5.جاشَ : أي زَخَرَ وامتدّ (الصحاح : ج ۳ ص ۹۹۹ «جيش») .

6.تحيّر المكان بالماء واستحار : إذا امتلأ (الصحاح : ج ۲ ص ۶۴۱ «حير») .

الصفحه من 110