المباهلة (تفصیلی) - الصفحه 32

قالوا : وكانَ العاقِبُ أحَبَّ ـ مَعَ ما تَبَيَّنَ مِن ذلِكَ ـ أن يُشَيِّدَ ما فَرَطَ مِن تَفريطِ مُسَيلِمَةَ ، ويُؤَهِّلَ ۱ مَنزِلَتَهُ لِيَجعَلَهُ لِرَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله كُفّا ۲ ، استِظهارا بِذلِكَ في بَقاءِ عِزَّتِهِ ، وما طارَ لَهُ مِنَ السُّمُوِّ في أهلِ مِلَّتِهِ ، فَقالَ : ولَئِن فَخَرَ أخو بَني حَنيفَةَ في زَعمِهِ أنَّ اللّهَ عز و جل أرسَلَهُ ، وقالَ مِن ذلِكَ ما لَيسَ لَهُ بِحَقٍّ ، فَلَقَد بَرَّ في أن نَقَلَ قَومَهُ مِن عِبادَةِ الأَوثانِ إلَى الإِيمانِ بِالرَّحمنِ .
قالَ حارِثَةُ : أنشُدُكَ بِاللّهِ الَّذي دَحاها ۳ ، وأَشرَقَ بِاسمِهِ قَمَراها ، هَل تَجِدُ فيما أنزَلَ اللّهُ عز و جلفِي الكُتُبِ السّالِفَةِ ، يَقولُ اللّهُ عز و جل :
«أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا دَيّانُ يَومِ الدّينِ ، أنزَلتُ كُتُبي وأَرسَلتُ رُسُلي ؛ لِأَستَنقِذَ بِهِم عِبادي مِن حَبائِلِ الشَّيطانِ ، وجَعَلتُهُم في بَرِيَّتي وأَرضي كَالنُّجومِ الدَّراري في سَمائي ، يَهدونَ بِوَحيي وأَمري ، مَن أطاعَهُم أطاعَني ومَن عَصاهُم فَقَد عَصاني ، وإنّي لَعَنتُ ومَلائِكَتي في سَمائي وأَرضي وَالّلاعِنونَ مِن خَلقي ، مَن جَحَدَ رُبوبِيَّتي ، أو عَدَلَ بي شَيئا مِن بَرِيَّتي ، أو كَذَّبَ بِأَحَدٍ مِن أنبِيائي ورُسُلي ، أو قالَ : اُوحِيَ إلَيَّ و لَم يوحَ إلَيهِ شَيءٌ ، أو غَمَصَ ۴ سُلطاني أو تَقَمَّصَهُ مُتَبَرِّيا ، أو أكمَهَ ۵ عِبادي وأَضَلَّهُم عَنّي ، ألا وإنَّما يَعبُدُني مَن عَرَفَ ما اُريدُ مِن عِبادَتي وطاعَتي مِن خَلقي ، فَمَن لَم يَقصِد إلَيَّ مِنَ السَّبيلِ الَّتي نَهَجتُها بِرُسُلي ، لَم يَزدَد في عِبادَتِهِ مِنّي إلّا بُعدا» ؟
قالَ العاقِبُ : رُوَيدَكَ ، فَأَشهَدُ لَقَد نَبَّأتَ حَقّا .

1.في بحارالأنوار : «ويؤثّل» بدل «يؤهّل» . والتأثيل : التأصيل ، قال ابن الأثير : أثلة الشيء : أصله (النهاية : ج ۱ ص ۲۳ «أثل») .

2.في بحار الأنوار : «كفؤا» بدل «كُفّا» .

3.دَحاها : بَسَطَها (المصباح المنير : ص ۱۹۰ «دحا») .

4.غَمَصَ : أي استَصغَرَ . وغَمَصَ النعمَةَ : لم يشكرها (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۴۷ «غمص») .

5.من سَلبِ العقل لا سَلبِ البصر ؛ من قولهم : كمُهَ الرّجُل ؛ إذا سُلِبَ عقله ( راجع : تاج العروس : ج ۱۹ ص ۸۷ « كمه » ) .

الصفحه من 110