المباهلة (تفصیلی) - الصفحه 33

قالَ حارِثَةُ : فَما دونَ الحَقِّ مِن مُقنِعٍ ، وما بَعدَهُ لِامرِئٍ مَفزَعٌ ، ولِذلِكَ قُلتُ الَّذي قُلتُ .
فَاعتَرَضَهُ السَّيِّدُ ـ وكانَ ذا مِحالٍ ۱ وجِدالٍ شَديدٍ ـ فَقالَ : ما أحرى وما أرى أخا قُرَيشٍ مُرسَلاً إلّا إلى قَومِهِ بَني إسماعيلَ [ بـِ ] ۲ ـدينِهِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جلأرسَلَهُ إلَى النّاسِ جَميعا !
قالَ حارِثَةُ : أفتَعَلَمُ أنتَ ـ يا أبا قُرَّةَ ـ أنَّ مُحَمَّدا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ إلى قَومِهِ خاصَّةً ؟ قالَ : أجَل .
قالَ : أتَشهَدُ لَهُ بِذلِكَ ؟
قالَ : وَيحَكَ! وهَل يُستَطاعُ دَفعُ الشَّواهِدِ ؟ نَعَم ، أشهَدُ غَيرَ مُرتابٍ بِذلِكَ ، وبِذلِكَ شَهِدَت لَهُ الصُّحُفُ الدّارِسَةُ وَالأَنباءُ الخالِيَةُ .
فَأَطرَقَ حارِثَةُ ضاحِكا يَنكُتُ الأَرضَ بِسَبّابَتِهِ .
قالَ السَّيِّدُ : ما يُضحِكُكَ يَابنَ اُثالٍ ؟ قالَ : عَجِبتُ فَضَحِكتُ ، قالَ : أوَ عَجَبٌ ما تَسمَعُ ؟ قالَ : نَعَم ، العَجَبُ أجمَعُ ، أ لَيسَ ـ بِالإِلهِ ـ بِعَجيبٍ مِن رَجُلٍ اُوتِيَ أثَرَةً مِن عِلمٍ وحِكمَةٍ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل اصطَفى لِنُبُوَّتِهِ وَاختَصَّ بِرِسالَتِهِ وأَيَّدَ بِروحِهِ وحِكمَتِهِ ، رَجُلاً خَرّاصا ۳ يَكذِبُ عَلَيهِ ، ويَقولُ : اُوحِيَ إلَيَّ ولَم يوحَ إلَيهِ ، فَيَخلِطُ ـ كَالكاهِنِ ـ كَذِبا بِصِدقٍ وباطِلاً بِحَقٍّ ؟!
فَارتَدَعَ السَّيِّدُ وعَلِمَ أنَّهُ قَد وَهِلَ ۴ ، فَأَمسَكَ مَحجوجا .

1.المِحال : الكيد وروم الأمر بالحيل (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۶۱۶ «محل») .

2.إضافة يقتضيها السياق .

3.الخَرّاصُ : الكَذّابُ (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۳۵ «خرص») .

4.وَهِلَ : أي غَلِطَ (المصباح المنير : ص ۶۷۴ «وهل») .

الصفحه من 110