المباهلة (تفصیلی) - الصفحه 34

قالوا : وكانَ حارِثَةُ بِنَجرانَ حَثيثا ۱ ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ العاقِبُ وقَد قَطَعَهُ ما فَرَطَ إلَى السَّيِّدِ مِن قَولِهِ ، فَقالَ لَهُ :
عَلَيكَ أخا بَني قَيسِ بنِ ثَعلَبَةَ ، وَ احبِس عَلَيكَ ذَلَقَ ۲ لِسانِكَ ، وما لَم تَزَل تَستَحِمُّ ۳ لَنا مِن مَثابَةِ سَفَهِكَ ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ يَرفَعُ صاحِبُها بِها رَأسا قَد ألقَتهُ في قَعرٍ مُظلِمَةٍ ، ورُبَّ كَلِمَةٍ لَأَمَت ورَأَبَت قُلوبا نَغلَةً ۴ ، فَدَع عَنكَ ما يَسبِقُ إلَى القُلوبِ إنكارُهُ ، وإن كانَ عِندَكَ ما يَبينُ اعتِذارُهُ .
ثُمَّ اعلَم أنَّ لِكُلِّ شَيءٍ صورَةً ، وصورَةُ الإِنسانِ العَقَلُ ، وصورَةُ العَقلِ الأَدَبُ ، وَالأَدَبُ أدَبانِ : طباعِيٌّ ومُرتاضِيٌّ ، فَأَفضَلُهُما أدَبُ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، ومِن أدَبِ اللّهِ سُبحانَهُ وحِكمَتِهِ أن يُرى لِسُلطانِهِ حَقٌّ لَيسَ لِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ؛ لِأَنَّهُ الحَبلُ بَينَ اللّهِ وبَينَ عِبادِهِ ، وَالسُّلطانُ اثنانِ : سُلطانُ مَلَكَةٍ وقَهرٍ ، وسُلطانُ حِكمَةٍ وشَرعٍ ، فَأَعلاهُما فَوقا سُلطانُ الحِكمَةِ ، قَد تَرى يا هذا أنَّ اللّهَ عز و جل قَد صَنَعَ لَنا حَتّى جَعَلَنا حُكّاما وقُوّاما عَلى مُلوكِ مِلَّتِنا ، ومِن بَعدِهِم مِن حَشوَتِهِم وأَطرافِهِم ، فَاعرِف لِذِي الحَقِّ حَقَّهُ أيُّهَا المَرءُ وخَلّاكَ ۵ ذَمٌّ .
ثُمَّ قالَ : وذَكَرتَ أخا قُرَيشٍ وما جاءَ بِهِ مِنَ الآياتِ وَالنُّذُرِ ، فَأَطَلتَ وأَعرَضتَ ، ولَقد بَرَرتَ ۶ ؛ فَنَحنُ بِمُحَمَّدٍ عالِمونَ ، وبِهِ جِدّا موقِنونَ ، شَهِدتُ لَقَد انتَظَمَت لَهُ الآياتُ وَالبَيِّناتُ ، سالِفُها وآنِفُها ، إلّا آيَةً ۷ هِيَ أشفاها وأَشرَفُها ، وإنَّما مَثَلُها فيما

1.رجلٌ حثيثٌ وحَثوث : حادٌّ سريع في أمره ، كأنّ نفسه تحثّه (تاج العروس : ج ۳ ص ۱۸۸ «حثث») . وفي بحار الأنوار : «جنيبا ـ يعني غريبا ـ » بدل «حثيثا» .

2.ذَلَقُ اللسان : حِدّته (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۱۰۹ «ذلق») .

3.في بحار الأنوار : تستخمّ بدل «تَستَحِمُّ» .

4.نَغل قلبه عليَّ : أي ضغن ، يقال : نغلت نيّاتهم ؛ أي فسدت (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۳۲ «نغل») .

5.وخلّاك ذمّ : أي اُعذرت وسقط عنك الذمّ (النهاية : ج ۲ ص ۷۶ «خلل») .

6.في المصدر : «برزت» ، والتصويب من بحار الأنوار .

7.في المصدر : «إنّه» ، والتصويب من بحار الأنوار .

الصفحه من 110