المباهلة (تفصیلی) - الصفحه 42

قالَ حارِثَةُ : العِبَرُ ـ لَعَمرُو اللّهِ ـ كَثيرَةٌ ، وَالاِعتِبارُ بِها قَليلٌ ، وَالدَّليلُ موفٍ عَلى سُنَنِ السَّبيلِ إن لَم يَعشُ عَنهُ ناظِرٌ ، وكَما أنَّ أبصارَ الرَّمِدَةِ لا تَستَطيعُ النَّظَرَ في قُرصِ الشَّمسِ لِسُقمِها ، فَكَذلِكَ البَصائِرُ القَصيرَةُ لا تَتَعَلَّقُ بِنورِ الحِكمَةِ لِعَجزِها ، ألا ومَن كانَ كَذلِكَ فَلَستُماهُ ـ وأَشارَ إلَى السَّيِّدِ وَالعاقِبِ ـ إنَّكُما ـ ويَمينُ اللّهِ ـ لَمَحجوجانِ بِما آتاكُمَا اللّهُ عز و جل مِن ميراثِ الحِكمَةِ ، وَاستَودَعَكُما مِن بَقايَا الحُجَّةِ ، ثُمَّ بِما أوجَبَ لَكُما مِنَ الشَّرَفِ وَالمَنزِلَةِ فِي النّاسِ ، فَقَد جَعَلَ اللّهُ عز و جل مَن آتاهُ سُلطانا مُلوكا لِلنّاسِ وأَربابا ، وجَعَلَكُما حَكَما وقُوّاما عَلى مُلوكِ مِلَّتِنا ، وذادَةً ۱ لَهُم يَفزَعونَ إلَيكُما في دينِهِم ولا تَفزَعانِ إلَيهِم ، وتَأمُرانِهِم فَيَأتَمِرونَ لَكُما ، وحَقٌّ لِكُلِّ مَلِكٍ أو مُوَطَّإِ الأَكنافِ ، أن يَتَواضَعَ للّهِِ عز و جل إذ رَفَعَهُ ، وأَن يَنصَحَ للّهِِ عز و جل في عِبادِهِ ، ولا يَدَّهِنَ ۲ في أمرِهِ .
وذَكَرتُما مُحَمَّدا بِما حَكَمَت لَهُ الشَّهاداتُ الصّادِقَةُ ، وبَيَّنَتهُ فيهِ الأَسفارُ المُستَحفَظَةُ ، ورَأَيتُماهُ مَعَ ذلِكَ مُرسَلاً إلى قَومِهِ لا إلَى النّاسِ جَميعاً ، وأَن لَيسَ بِالخاتِمِ الحاشِرِ ۳ ولَا الوارِثِ العاقِبِ ؛ لِأَنَّكُما زَعَمتُماهُ أبتَرَ ، ألَيسَ كَذلِكَ ؟
قالا : نَعَم .
قالَ : أ رَأَيتُكُما لَو كانَ لَهُ بَقِيَّةٌ وعَقِبٌ هَل كُنتُما مُمتَرِيانِ ـ لِما تَجِدانِ وبِما تُكَذِّبانِ مِنَ الوَراثَةِ وَالظُّهورِ عَلَى النَّواميسِ ـ أنَّهُ النَّبِيُّ الخاتِمُ ، وَالمُرسَلُ إلى كافَّةِ البَشَرِ ؟
قالا : لا .
قالَ : أفَلَيسَ هذَا القيلُ لِهذِهِ الحالِ مَعَ طولِ اللَّوائِمِ وَالخَصائِمِ عِندَكُما مُستَقَرّا ؟

1.أذدت الرجل : أعنته على ذياد إبله ، ورجل ذائد وذوّاد ؛ أي حامي الحقيقة (الصحاح : ج ۲ ص ۴۷۱ «ذود») .

2.المداهنة كالمصانعة ، والادّهان مثله (الصحاح : ج ۵ ص ۲۱۱۶ «دهن») .

3.الحاشِرُ : الذي يُحشَرُ الناس خَلفَهُ وعلى مِلّتِهِ دون مِلَّةِ غيره (النهاية : ج ۱ ص ۳۸۸ «حشر») .

الصفحه من 110