قالَ : قالَ لي ذلِكَ الرَّجُلُ النَّجرانِيُّ : فَكانَ الرَّأيُ عِندَهُما أن يَنقادا لِما يُدهِمُهُما مِن هذَا الخَطبِ ، ولا يُظهِرانِ شِماسا ۱ مِنهُ و لا نُفورا ؛ حَذارِ أن يُطرَقا الظِّنَّة فيهِ إلَيهِما ، وأَن يَكونا أيضا أوَّلَ مُعتَبِرٍ لِلجامِعَةِ ومُستَحِثٍّ لَها ؛ لِئَلّا يُفتاتَ ۲ في شَيءٍ مِن ذاكَ المَقامِ وَالمَنزِلَةِ عَلَيهِما ، ثُمَّ يَستبينَ ۳ أنَّ الصَّوابَ فِي الحالِ ويَستَنجِدانِهِ لِيَأخُذانِ بِمَوجِبِهِ . فَتَقَدَّما لِما تَقَدَّمَ في أنفُسِهِما مِن ذلِكَ إلَى الجامِعَةِ ـ وهِيَ بَينَ يَدَي أبي حارِثَةَ ـ ، وحاذاهُما حارِثَةُ بنُ أثالٍ ، وتَطاوَلَت إلَيهِما فيهِ الأَعناقُ ، وحَفَّت رُسُلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِهِم .
فَأَمَرَ أبو حارِثَةَ بِالجامِعَةِ فَفُتِحَ طَرَفُها ، وَاستُخرِجَ مِنها صَحيفَةُ آدَمَ الكُبرَى المُستَودَعَةُ عِلمَ مَلَكوتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ جَلالُهُ ، وما ذَرَأَ وما بَرَأَ في أرضِهِ وسَمائِهِ ، وما وَصَلَهُما جَلَّ جَلالُهُ بِهِ مِن ذِكرِ عالَمَيهِ ؛ وهِيَ الصَّحيفَةُ الَّتي وَرِثَها شَيثٌ مِن أبيهِ آدَمَ عليه السلام ، عَمّا دَعا مِنَ الذِّكرِ المَحفوظِ . فَقَرَأَ القَومُ السَّيِّدُ وَالعاقِبُ وحارِثَةُ فِي الصَّحيفَةِ ؛ تَطَلُّبا لِما تَنازَعوا فيهِ مِن نَعتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وصِفَتِهِ ، ومَن حَضَرَهُم يَومَئِذٍ مِنَ النّاسِ إلَيهِم ، مُضِجّونَ مُرتَقِبونَ لِما يُستَدرَكُ مِن ذِكرى ذلِكَ ، فَأَلفَوا فِي المِسباحِ الثّاني مِن فَواصِلِها ۴ :
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا الحَيُّ القَيّومُ ، مُعَقِّبُ الدُّهورِ ، وفاصِلُ الاُمورِ ، سَبَقتُ بِمَشِيَّتِي الأَسبابَ ، وذَلَّلتُ بِقُدرَتِي الصِّعابَ ، فَأَنَا العَزيزُ الحَكيمُ ، الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، اِرحَم تُرحَم ، سَبَقَت رَحمَتي غَضَبي ، وعَفوي عُقوبَتي ،
1.شمسَ لي فلانٌ : إذا أبدى لك عداوتَه (الصحاح : ج ۳ ص ۹۴۰ «شمس») .
2.فلانٌ لا يُفتاتُ عليه : أي لا يُعمل شيءٌ دونَ أمرِه (الصحاح : ج ۱ ص ۲۶۰ «فوت») .
3.في بحار الأنوار : «يستبينان» بدل «يستبين» .
4.في المصدر : «فواصلهما» ، والتصويب من بحار الأنوار .