جِدّا ، وبَعضُ هذِهِ أضوَأُ مِن بَعضٍ ، وهِيَ في ذلِكَ مُتَفاوِتَةٌ ۱ جِدّا ، ثُمَّ طَلَعَ عَلَيهِ سَوادٌ كَاللَّيلِ وكَالسَّيلِ ، يَنسِلونَ مِن كُلِّ وِجهَةٍ وأَوبٍ ۲ ، فَأَقبَلوا كَذلِكَ حَتّى مَلَؤُوا القاعَ وَالأَكَمَ ، فَإِذا هُم أقبَحُ شَيءٍ صُوَرا وهَيئَةً ، وأَنتَنُهُ ريحا ، فَبَهَرَ ۳ آدَمُ عليه السلام ما رَأى مِن ذلِكَ ، وقالَ : يا عالِمَ الغُيوبِ وغافِرَ الذُّنوبِ ، ويا ذَا القُدرَةِ القاهِرَةِ وَالمَشِيَّةِ الغالِبَةِ ! مَن هذَا الخَلقُ السَّعيدُ الَّذي كَرَّمتَ ورَفَعتَ عَلَى العالَمينَ ، ومَن هذِهِ الأَنوارُ المُنيفَةُ المُكتَنِفَةُ لَهُ ؟
فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : يا آدَمُ ، هذا وهؤُلاءِ وَسيلَتُكَ ووَسيلَةُ مَن أسعَدتُ مِن خَلقي ، هؤُلاءِ السّابِقونَ المُقَرَّبونَ وَالشّافِعونَ المُشَفَّعونَ ، و هذا أحمَدُ سَيِّدُهُم وسَيِّدُ بَرِيَّتِي ، اختَرتُهُ بِعِلمي ، وَاشتَقَقتُ اسمَهُ مِن اِسمي ، فَأَنَا المَحمودُ وهُوَ مُحَمَّدٌ ، وهذا صِنوُهُ ووَصِيُّهُ ، آزَرتُهُ بِهِ ، وجَعَلتُ بَرَكاتي وتَطهيري في عَقِبِهِ ، وهذِهِ سَيِّدَةُ إمائي وَالبَقِيَّةُ في عِلمي مِن أحمَدَ نَبِيّي ، وهذانِ السِّبطانِ وَالخَلَفانِ لَهُم ، وهذِهِ الأَعيانُ المُضارِعُ ۴ نورُها أنوارَهُم بَقِيَّةٌ مِنهُم ، ألا إنَّ كُلّاً اصطَفَيتُ وطَهَّرتُ ، وعَلى كُلٍّ بارَكتُ وتَرَحَّمتُ ، فَكُلّاً بِعِلمي جَعَلتُ قُدوَةَ عِبادي ونورَ بِلادي .
ونَظَرَ فَإِذا شَبَحٌ في آخِرِهِم يَزهَرُ في ذلِكَ الصَّفيحِ كَما يَزهَرُ كَوكَبُ الصُّبحِ لِأَهلِ الدُّنيا ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : وبِعَبدي هذَا السَّعيدِ أفُكُّ عَن عِبادِي الأَغلالَ ، وأَضَعُ عَنهُمُ الآصارَ ، وأَملَأُ أرضي بِهِ حَنانا و رَأفَةً وعَدلاً ، كَما مُلِئَت مِن قَبلِهِ قَسوَةً وقَشعَرِيَّةً وجَوراً .
1.في المصدر : «متفاوتون» ، والتصويب من بحار الأنوار .
2.في المصدر : «وأرب» ، والتصويب من بحار الأنوار .
3.البُهر ـ بالضمّ ـ : تتابع النفس ، وبالفتح المصدر ، يقال : بَهَرَه الحملُ يَبهره بهرا ؛ أي أوقع عليه البهر فانبهر ؛ أي تتابع نفسه (الصحاح : ج ۲ ص ۵۹۸ «بهر») .
4.المضارعة : المشابهة (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۴۹ «ضرع») .