فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وشَقَّ عَلَيهِ قَولُ العَبّاسِ حينَ اتَّهَمَ عَلَيهِ أسعَدَ وأَصحابَهُ ، قالَ : يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ائذَن لَنا فَلنُجِبهُ غَيرَ مُخشِنينَ بِصَدرِكَ ولا مُتَعَرِّضينَ لِشَيءٍ مِمّا تَكرَهُ ، إلّا تَصديقا لِاءِجابَتِنا إيّاكَ وإيمانا بِكَ .
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجيبوهُ غَيرَ مُتَّهَمينَ .
فَقالَ أسعَدُ بنُ زُرارَةَ وأَقبَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِوَجهِهِ ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ لِكُلِّ دَعوَةٍ سَبيلاً ؛ إن لينٌ وإن شِدَّةٌ ، وقَد دَعَوتَ اليَومَ إلى دَعوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ ۱ لِلنّاسِ مُتَوَعِّرَةٍ عَلَيهِم ، دَعَوتَنا إلى تَركِ دينِنا وَاتِّباعِكَ عَلى دينِكَ ، وتِلكَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ ، فَأَجَبناكَ إلى ذلِكَ ، ودَعَوتَنا إلى قَطعِ ما بَينَنا وبَينَ النّاسِ مِنَ الجِوارِ وَالأَرحامِ القَريبِ وَالبَعيدِ ، وتِلكَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ ، فَأَجَبناكَ إلى ذلِكَ ، ودَعَوتَنا ـ ونَحنُ جَماعَةٌ في دارِ عِزٍّ ومَنَعَةٍ لا يَطمَعُ فيها أحَدٌ ـ أن يَرأَسَ عَلَينا رَجُلٌ مِن غَيرِنا قَد أفرَدَهُ قَومُهُ وأَسلَمَهُ أعمامُهُ ، وتِلكَ رُتبَةٌ صَعبَةٌ ، فَأَجَبناكَ إلى ذلِكَ .
وكُلُّ هؤُلاءِ الرُّتَبُ مَكروهَةٌ عِندَ النّاسِ ، إلّا مَن عَزَمَ اللّهُ عَلى رُشدِهِ ، وَالتَمَسَ الخَيرَ في عَواقِبِها ، وقَد أجَبناكَ إلى ذلِكَ بِأَلسِنَتِنا وصُدورِنا وأَيدينا ؛ إيمانا بِما جِئتَ بِهِ ، وتَصديقا بِمَعرِفَةٍ ثَبَتَت في قُلوبِنا ، نُبايِعُكَ عَلى ذلِكَ ونُبايِعُ رَبَّنا ورَبَّكَ ، يَدُ اللّهِ فَوقَ أيدينا ، ودِماؤُنا دونَ دَمِكَ ، وأَيدينا دونَ يَدِكَ ، نَمنَعُكُ مِمّا نَمنَعُ مِنهُ أنفُسَنا وأَبناءَنا ونِساءَنا ، فَإِن نَفِ بِذلِكَ فَلِلّهِ نَفي ، وإن نَغدِر فَبِاللّهِ نَغدِرُ ونَحنُ بِهِ أشقِياءُ ، هذَا الصِّدقُ مِنّا يا رَسولَ اللّهِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ .
ثُمَّ أقبَلَ عَلَى العَبّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ بِوَجهِهِ فَقالَ : وأَمّا أنتَ أيُّهَا المُعتَرِضُ لَنا بِالقَولِ دونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وَاللّهُ أعلَمُ ما أرَدتَ بِذلِكَ ، ذَكَرتَ أنَّهُ ابنُ أخيكَ وَأَحَبُّ
1.تجهّمه : أي يلقاه بالغلظة ( النهاية : ج ۱ ص ۳۲۳ « جهم » ) .