بحث حول توخي العدالة في التعامل مع الأولاد
من المواضيع التربوية المهمّة ، توخي الوالدين للعدالة في إظهار المحبّة للأولاد وتوفير الإمكانيات المادية لهم . ويمكننا أن ندرس هذه القضية من منظارين : فقهي قانوني، ۱ وتربوي.
وما نعنيه هنا هو التعامل بعدل مع الأولاد من وجهة النظر الثانية ، فإنّ تحري العدل مع الأولاد ، من شأنه أن يستتبع آثارا تربوية مهمّة، وهي :
1 . إنّ الأولاد سيتعاملون بدورهم مع الوالدين باللطف والإحسان وسيرعون حقوقهم .
2 . وهم بدورهم سوف لا يتجاوزون حدود العدالة بالنسبة مع أولادهم .
3 . تحرّي العدالة مع الأولاد ، يحول دون حسدهم وحقدهم لبعضهم البعض .
4 . والأهمّ من ذلك أنّ الطفل سوف يتربّى منذ بدء حياته على روح العدالة، وسوف يهيئ السلوك العادل للاُسرة ، الأرضية لتأمين العدالة الاجتماعية .
وعلى العكس من ذلك فإنّ انعدام العدالة والتفريق بين الأولاد ، لا يحرمان الوالدين من محبّتهم وحسب ، بل إنّهما يعرضان مستقبل الأولاد للمخاطر ، ولذلك يرى العلماء المتخصصون في التربية والتعليم في عصرنا الراهن ضرورة الالتزام بالعدل في التعامل مع الأولاد من أجل تربية الأفراد الصالحين ، ولكن الإسلام أكدّ منذ أربعة عشر قرنا على هذا الموضوع، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوصي المسلمين أن يراعوا العدالة لا في توفير الإمكانيات وحسب ، بل وفي تقبيل الأولاد أيضا .
ومن البديهي أنّ السلوك العادل ، لا يعني وحدة التعامل ، فما أكثر ما تستوجب العدالة أن يتحمّل الأب نفقات أكثر لبعض من أولاده ، بسبب الاختلاف في المواهب والاستعدادات ، أو بسبب المرض وما إلى ذلك ، فهذا لا يعني انعدام العدالة . نعم على الأب في مثل هذه الحالات أن يحيط أولاده الآخرين علما بعمله هذا .
كما أنّ على الأب أن يغض النظر عن رعاية حقّ أحد الأولاد ، إذا ما أحسّ أن ذلك سيستتبع آثارا سلبية وخطيرة ، كما يقول الإمام الصادق عليه السلام :
قال والدي عليه السلام : واللّه إنّي لأصانع بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأكثر له المحبّة وأكثر له الشكر وإنّ الحقّ لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره ؛ لئلاّ يصنعوا به ما فعل
بيوسف اُخوته۲.
وكما جاء في هذا الحديث ، فإنّ الإمام الباقر عليه السلام ومن أجل أن يحول دون أن يثير حسد بعض من أولاده والتبعات السيئة، لذلك فإنّه لا يكتفي بإظهار المحبّة للولد الّذي يجب أن يحاط بالمحبّة أكثر من الآخرين ، بل إنّه يغمر باللطف والمحبّة الولد الآخر الّذي يتعرّض لمرض الحسد كي يحفظ بذلك الابن الأفضل من خطر حسد أخيه ، وهذا ما يمثل درسا تربويا مهمّا للعاملين في مجال التربية والمتخصصين التربويين وخصوصا الآباء والاُمهات .
1.نظرا إلى الاختلافات الّتي نلاحظها في الروايات في باب تفضيل ولد على آخر من قبل الوالدين في تقديم الهدايا للأولاد ، فقد اختلفت فتاوى الفقهاء شيعة وسنة .
فنحن نلاحظ ثلاثة آراء بين فتاوى فقهاء الشيعة :
أوّلاً : جواز التفضيل ، إلاّ إذا كان الواهب في حالة عسر أو كان مريضا فيكره في هذه الحالة ، وإذا ما أدّى المرض إلى الوفاة ، تستقطع الهدية من أصل المال ، لا من ثلثه .
ثانيا : كراهة التفضيل واستحباب المساواة بين الأولاد .
ثالثا : حرمة تفضيل الولد ، إلاّ إذا كان يتمتّع بامتياز خاصّ .
وأمّا فقهاء أهل السنّة فهم طائفتان : أهل القياس والرأي ، وأهل الظاهر .
فأهل الرأي والقياس يقولون : إنّ هناك إجماعا على أنّ بإمكان كلّ شخص أن يهدي كلّ أمواله وممتلكاته إلى شخص آخر . وعلى هذا فإنّ إعطاء قسم من المال إلى بعض من الأولاد ، يجب ألاّ يكون حراما ، ولذلك فإنّ المراد من الروايات الّتي من الممكن أن تستنبط منها حرمة التفضيل ، هو الكراهة .
وأمّا أهل الظاهر فقد سلكوا طريقين : فقد ركز البعض اهتمامهم على ظاهر الألفاظ فقط ، وقالوا : بالحرمة ، والبعض الآخر قالوا : بالكراهة .
2.راجع : ص ۱۲۶ ح ۳۶۷ .