بالخلق الرفيع . وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل ، أعبد المتبتِّلين ، وأكثر القلوب ولَهاً بربّه . وبإزاء خلق اللّه هو أرفق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان ، يفيض بالعطوفة واللين . وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة ، المنافح عنه في غير هروب .
أمّا في البلاغة والتوفّر على بدائع الخطابة وضروب الحكمة وفنون الكلام ، فليس له نظير ؛ وهو فارس هذا الميدان ، والأمكن فيه من كلّ أحد . وللّه درّ الشاعر العلوي ، وهو يقول في ذلك :
كَم لَهُ شَمسٌ حِكمَةٌ تَتَمَنّى
غُرَّةُ الشَّمسِ أن تَكونَ سَماها
تُرى ، هل يمكن لإنسان أن يُشرِف على منعرجات التاريخ ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة ، وهي تسمو على كلّ ما سواها !
وهل يسوغ لإنسان أن يمدّ بصره إلى صحراء الحياة ، ثمّ لا يرفرف قلبه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة ، المملوء بالجهاد والمروءة ، أو لا يُبصر هذا المثال المترع بالصدق والإيثار ، وبالإيمان والجلال !
ثمّ هل يمكن لكاتب أن يخطّ صفحات بقلمه ، ولا يهوى فؤاده أن يعطّر بضاعته بعبير يتضوّع بذكر عليّ ، ويخلط كلماته بشذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب ، ويحيط بها الإقدام من كلّ حدب ، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صوب !
في ظنّي أنّ جميع اُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا ، ثمّ استذاقوا طعم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة ، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد : وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أن تُثني على البحر ! وأنّى للذرّة العالقة أن تنشد المديح بالشمس !
وأمّا كاتب هذه السطور !
فلم يكن يدُر بخلده قطّ أن يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة ، كما لم يخطر بباله أبداً أن يكون له حظّ في حمل قبضة من قبس كتلة