113
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَتلِ وَالغَدرِ وَالخَذلِ ! ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ولا هَدَأَتِ الزَّفرَةُ ! إنّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ الَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أنكاثا ! . . . أ تَدرونَ ـ وَيلَكُم ! ـ أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَرَيتمُ ۱ ؟ ! وأيَّ عَهدٍ نَكَثتُم ؟ ! وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ ! وأيَّ حُرمَةٍ لَهُ هَتَكتُم ؟ ! وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ ! ۲
كان لها لسان عليّ حقّا ! وحين نطقت بكلماتها الحماسيّة ، فإنّ اُولئك الذين طالما سمعوا خطب الإمام ، هاهم يرونه باُمّ أعينهم يخطب فيهم !
وقال قائل : واللّه لم أرَ خَفِرةً ۳ قطّ أنطق منها ، كأنّها تنطق وتُفرغ عن لسان عليّ عليه السلام .
وكان ابن زياد قد أثمله التكبّر ، ومَرَد على الضراوة والتوحّش ، فنال من آل اللّه ؛ فانبرت إليه الحوراء وألقمته حجرا بكلماتها الخالدة التي أخزته . وممّا قالت :
لَعَمري لَقدَ قَتَلتَ كَهلي ، وأبَرتَ أهلي ، وقَطَعتَ فَرعي ، وَاجتَثَثتَ أصلي ؛ فَإِن يَشفِكَ هذا فَقَدِ اشتَفَيتَ ۴ .
وعندما نظرت إلى يزيد متربّعا على عرش السلطة ومعه الأكابر ومندوبون عن بعض البلدان ـ وكان يتباهى بتسلّطه ، ويتحدّث بسفاهة مهوِّلاً على الآخرين ، ناسبا قتل الأبرار إلى اللّه ـ قامت إليه عقيلة بني هاشم ، فصكّت مسامعه بخطبتها البليغة العصماء . وممّا قالته فيها :

1.الفَرْي : القطع (النهاية : ج۳ ص۴۴۲) .

2.الاحتجاج : ج۲ ص۱۱۰ ح۱۷۰ ، الأمالي للمفيد : ص۳۲۱ ح۸ ، الملهوف : ص۱۹۲ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج۴ ص۱۱۵ .

3.الخَفِر : الكثير الحياء (النهاية : ج۲ ص۵۳) .

4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۵۷ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۵۷۵ وفيه «أبرزت» بدل «أبرت» ؛ الإرشاد : ج۲ ص۱۱۶ وفيه «أبدت» بدل «أبرت» ، إعلام الورى : ج۱ ص۴۷۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
112

كانت زينب عليهاالسلام من فضليات النساء ، وفضلها أشهر من أن يُذكر ، وأبين من أن يسطَّر . وتعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانها ، وقوّة حجّتها ، ورجاحة عقلها ، وثبات جنانها ، وفصاحة لسانها ، وبلاغة مقالها ـ حتى كأنّها تُفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام ـ من خطبها بالكوفة والشام ، واحتجاجها على يزيد وابن زياد بما فحمهما ، حتى لجآ إلى سوء القول والشتم وإظهار الشماتة والسباب الذي هو سلاح العاجز عن إقامة الحجّة . وليس عجيبا من زينب الكبرى أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيّبة . . . .
وكانت متزوّجة بابن عمّها عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، وولد له منها : عليّ الزينبي ، وعون ، ومحمّد ، وعبّاس ، واُمّ كلثوم . وعون ومحمّد قُتلا مع خالهما الحسين عليه السلام بطفّ كربلاء .
سُمّيت اُمّ المصائب ، وحقّ لها أن تسمّى بذلك ! فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومصيبة وفاة اُمّها الزهراء عليهاالسلام ومحنتها ، ومصيبة قتل أبيها أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ومحنته . . . وحُملت أسيرة من كربلاء ۱ .
كانت عليهاالسلام مع أخيها الحسين عليه السلام منذ بدء الثورة ، وكانت رفيقة دربه وأمينة سرّه . فليلة عاشوراء وحوارها مع أخيها ، ويوم عاشوراء وحفاوتها بالشهداء ، وليلة الحادي عشر ورثاؤها المؤلم لأخيها ، وجلوسها عند جثمانه المدمّى ، وخطابها لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كلّ اُولئك من الصفحات الذهبيّة الخالدة في حياتها المليئة بالجلالة والرفعة ، المصطبغة بالصبر والجلد .
تولّت شؤون السبايا بعد عاشوراء بجلال وثبات ، وعندما رأت الكوفيّين يبكون على أبناء الرسول صلى الله عليه و آله خاطبتهم قائلة :

1.أعيان الشيعة : ج۷ ص۱۳۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 232472
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي