يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَتلِ وَالغَدرِ وَالخَذلِ ! ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ولا هَدَأَتِ الزَّفرَةُ ! إنّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ الَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أنكاثا ! . . . أ تَدرونَ ـ وَيلَكُم ! ـ أيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَرَيتمُ ۱ ؟ ! وأيَّ عَهدٍ نَكَثتُم ؟ ! وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ ! وأيَّ حُرمَةٍ لَهُ هَتَكتُم ؟ ! وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ ! ۲
كان لها لسان عليّ حقّا ! وحين نطقت بكلماتها الحماسيّة ، فإنّ اُولئك الذين طالما سمعوا خطب الإمام ، هاهم يرونه باُمّ أعينهم يخطب فيهم !
وقال قائل : واللّه لم أرَ خَفِرةً ۳ قطّ أنطق منها ، كأنّها تنطق وتُفرغ عن لسان عليّ عليه السلام .
وكان ابن زياد قد أثمله التكبّر ، ومَرَد على الضراوة والتوحّش ، فنال من آل اللّه ؛ فانبرت إليه الحوراء وألقمته حجرا بكلماتها الخالدة التي أخزته . وممّا قالت :
لَعَمري لَقدَ قَتَلتَ كَهلي ، وأبَرتَ أهلي ، وقَطَعتَ فَرعي ، وَاجتَثَثتَ أصلي ؛ فَإِن يَشفِكَ هذا فَقَدِ اشتَفَيتَ ۴ .
وعندما نظرت إلى يزيد متربّعا على عرش السلطة ومعه الأكابر ومندوبون عن بعض البلدان ـ وكان يتباهى بتسلّطه ، ويتحدّث بسفاهة مهوِّلاً على الآخرين ، ناسبا قتل الأبرار إلى اللّه ـ قامت إليه عقيلة بني هاشم ، فصكّت مسامعه بخطبتها البليغة العصماء . وممّا قالته فيها :
1.الفَرْي : القطع (النهاية : ج۳ ص۴۴۲) .
2.الاحتجاج : ج۲ ص۱۱۰ ح۱۷۰ ، الأمالي للمفيد : ص۳۲۱ ح۸ ، الملهوف : ص۱۹۲ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج۴ ص۱۱۵ .
3.الخَفِر : الكثير الحياء (النهاية : ج۲ ص۵۳) .
4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۵۷ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۵۷۵ وفيه «أبرزت» بدل «أبرت» ؛ الإرشاد : ج۲ ص۱۱۶ وفيه «أبدت» بدل «أبرت» ، إعلام الورى : ج۱ ص۴۷۲ .