لقد عبّر الإمام عليه السلام بهذا الموقف عن غاية شجاعته ، وجسّدها وصدع بها عمليّاً ؛ إذ عرّض بدنه الأعزل للسيوف المسلولة ، وهذا اللون من الشجاعة امتاز به دون غيره .
وقد دفع هذا الإيثار الرائع الملائكة الكروبيّين إلى الاستحسان والإعجاب به .
وباهى اللّه سبحانه ملائكته بهذا المشهد العجيب لنكران الذات ۱ ، فأنزل الآية الكريمة : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . . .» لتخليد هذه المنقبة ، وتكريم هذا الإيثار وهذه الفضيلة الرفيعة في أروقة التاريخ .
و بعد تلك الليلة كان عليه السلام يذهب إلى غار «ثور» ليُوصل ما يحتاج إليه النبيّ صلى الله عليه و آله و رفيقه ۲ . فأوصاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّ الأمانات ، واللحاق به في المدينة ۳ .
وبعد مدّة ترك عليه السلام مكّة قاصداً يثرب ومعه الفواطم ؛ اُمّه فاطمة بنت أسد ، والسيّدة فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب . فعلمت قريش بذلك ، وعزمت على منعه فبعثت ببعض فرسانها خلفه ، بيد أنّهم اصطدموا بموقفه الشجاع الجريء ورجعوا خائبين ۴ . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله ينتظره في «قبا» ، حتى إذا لحق به ، توجّهوا نحو يثرب ۵ .
1.مجمع البيان : ج۲ ص۵۳۵ ، تأويل الآيات الظاهرة : ج۱ ص۸۹ ح۷۶ ، الفضائل لابن شاذان : ص۸۱ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۳۹ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج۲ ص۶۵ ، العمدة : ص۲۴۰ ح۳۶۷ ، تنبيه الخواطر : ج۱ ص۱۷۳ ، إرشاد القلوب : ص۲۲۴ .
2.تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۸ ؛ المناقب للكوفي : ج۱ ص۳۶۴ ح۲۹۲ .
3.السنن الكبرى : ج۶ ص۴۷۲ ح۱۲۶۹۷ ، الطبقات الكبرى : ج۳ ص۲۲ ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۸ ، اُسد الغابة : ج۴ ص۹۲ الرقم ۳۷۸۹ ؛ أنساب الأشراف : ج۱ ص۳۰۹ ، تاريخ الطبري : ج۲ ص۳۸۲ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج۲ ص۱۲۹ ؛ الأمالي للطوسي : ص۴۶۷ ح۱۰۳۱ .
4.الأمالي للطوسي : ص۴۷۰ ح۱۰۳۱ .
5.الطبقات الكبرى : ج۳ ص۲۲ ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۹ .