147
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

لقد عبّر الإمام عليه السلام بهذا الموقف عن غاية شجاعته ، وجسّدها وصدع بها عمليّاً ؛ إذ عرّض بدنه الأعزل للسيوف المسلولة ، وهذا اللون من الشجاعة امتاز به دون غيره .
وقد دفع هذا الإيثار الرائع الملائكة الكروبيّين إلى الاستحسان والإعجاب به .
وباهى اللّه سبحانه ملائكته بهذا المشهد العجيب لنكران الذات ۱ ، فأنزل الآية الكريمة : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . . .» لتخليد هذه المنقبة ، وتكريم هذا الإيثار وهذه الفضيلة الرفيعة في أروقة التاريخ .
و بعد تلك الليلة كان عليه السلام يذهب إلى غار «ثور» ليُوصل ما يحتاج إليه النبيّ صلى الله عليه و آله و رفيقه ۲ . فأوصاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّ الأمانات ، واللحاق به في المدينة ۳ .
وبعد مدّة ترك عليه السلام مكّة قاصداً يثرب ومعه الفواطم ؛ اُمّه فاطمة بنت أسد ، والسيّدة فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب . فعلمت قريش بذلك ، وعزمت على منعه فبعثت ببعض فرسانها خلفه ، بيد أنّهم اصطدموا بموقفه الشجاع الجريء ورجعوا خائبين ۴ . وكان النبيّ صلى الله عليه و آله ينتظره في «قبا» ، حتى إذا لحق به ، توجّهوا نحو يثرب ۵ .

1.مجمع البيان : ج۲ ص۵۳۵ ، تأويل الآيات الظاهرة : ج۱ ص۸۹ ح۷۶ ، الفضائل لابن شاذان : ص۸۱ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۳۹ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج۲ ص۶۵ ، العمدة : ص۲۴۰ ح۳۶۷ ، تنبيه الخواطر : ج۱ ص۱۷۳ ، إرشاد القلوب : ص۲۲۴ .

2.تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۸ ؛ المناقب للكوفي : ج۱ ص۳۶۴ ح۲۹۲ .

3.السنن الكبرى : ج۶ ص۴۷۲ ح۱۲۶۹۷ ، الطبقات الكبرى : ج۳ ص۲۲ ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۸ ، اُسد الغابة : ج۴ ص۹۲ الرقم ۳۷۸۹ ؛ أنساب الأشراف : ج۱ ص۳۰۹ ، تاريخ الطبري : ج۲ ص۳۸۲ ، السيرة النبويّة لابن هشام : ج۲ ص۱۲۹ ؛ الأمالي للطوسي : ص۴۶۷ ح۱۰۳۱ .

4.الأمالي للطوسي : ص۴۷۰ ح۱۰۳۱ .

5.الطبقات الكبرى : ج۳ ص۲۲ ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
146

يعتقدون أنّه إذا اجتمع خلق غفير من أهل يثرب ، وحصل المسلمون على دعم من بعضهم ، وخرج النبيّ صلى الله عليه و آله من مكّة والتحق بهم ، فسيشكّلون قوّة عظيمة تهدّد أمنهم وخاصّه قوافلهم التجاريّة . ولذا عزموا على تدبير مكيدة لإنهاء أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي كان لا يزال بمكّة .
فاجتمعوا وتشاوروا ، فتصافقوا على قتله صلى الله عليه و آله ؛ إذ لم يكن إخراجه أو حبسه مجدياً . واطّلع صلى الله عليه و آله على مؤامرتهم المشؤومة عن طريق الوحي ، فكُلِّف بالخروج من مكّة ۱«وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـكِرِينَ»۲ .
وقد قام المشركون بتطويق داره صلى الله عليه و آله ، بعد تداولهم في خطّة قتله وكيفيّة التنفيذ ، فإذا قَصَد الخروج فستتلقّاه سيوفهم وينتهي أمره إلى الأبد .
فاقترح صلى الله عليه و آله على عليّ عليه السلام أن يبيت في فراشه تلك الليلة ، فسأله : أ وَتسلم يا رسول اللّه ؟ قال : نعم . فرحّب الإمام عليه السلام بهذا الاقتراح موطّنا نفسه للقتل عند مواجهة المشركين صباحاً ۳ ، وسجد سجدة الشكر على هذه الموهبة العظيمة ۴ . والتحف بالبرد اليمانيّ الأخضر الذي كان يلتحف به النبيّ صلى الله عليه و آله عند نومه ، ونام مطمئنّاً في فراشه صلى الله عليه و آله ۵ .

1.الطبقات الكبرى : ج۱ ص۲۲۷ ؛ الأمالي للطوسي : ص۴۶۵ ح۱۰۳۱ .

2.الأنفال : ۳۰ .

3.الأمالي للطوسي : ص۴۴۷ ح۹۹۸ و ۹۹۹ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۳۹ وراجع المناقب للكوفي : ج۱ ص۱۲۴ ح۶۹ والمستدرك على الصحيحين : ج۳ ص۵ ح۴۲۶۴ .

4.الأمالي للطوسي : ص۴۶۵ ح۱۰۳۱ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج۱ ص۱۸۳ .

5.تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۶۷ و ۶۸ ، المستدرك على الصحيحين : ج۳ ص۵ ح۴۲۶۳ ، الطبقات الكبرى : ج ۱ ص ۲۲۸ ؛ الأمالي للطوسي : ص۴۴۵ ح۹۹۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 235090
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي