155
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

نَرتَحِلُهُما إلى يَثرِبَ . فَقالَ : إنّي لا آخُذُهُما ولا أحَدَهُما إلّا بِالثَّمَنِ . قالَ : فَهِيَ لَكَ بِذلِكَ ، فَأَمَرَ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام فَأَقبَضَهُ الثَّمَنَ ، ثُمَّ أوصاهُ بِحِفظِ ذِمَّتِهِ وأداءِ أمانَتِهِ .
وكانَت قُرَيشٌ تَدعو مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فِي الجاهِلِيَّةِ الأَمينَ ، وكانَت تَستَودِعُهُ وتَستَحفِظُهُ أموالَها وأمتِعَتَها ، وكَذلِكَ مَن يَقدَمُ مَكَّةَ مِنَ العَرَبِ فِي المَوسِمِ ، وجاءَتهُ النُّبُوَّةُ وَالرِّسالَةُ وَالأَمرُ كَذلِكَ ، فَأَمَرَ عَلِيّا عليه السلام أن يُقيمَ صارِخا يَهتِفُ بِالأَبطَحِ غُدوَةً وعَشِيّا : ألا مَن كانَ لَهُ قِبَلَ مُحَمَّدٍ أمانَةٌ أو وِديعَةٌ فَليَأتِ فَلتُؤَدَّ إلَيهِ أمانَتُهُ .
قالَ : وقالَ النَّبِيُّ : إنَّهُم لَن يَصِلوا مِن الآنِ إلَيكَ يا عَلِيُّ بِأَمرٍ تَكرَهُهُ حَتّى تَقدَمَ عَلَيَّ ، فَأَدِّ أمانَتي عَلى أعيُنِ النّاسِ ظاهِرا ، ثُمَّ إنّي مُستَخلِفُكَ عَلى فاطِمَةَ ابنَتي ومُستخَلِفٌ رَبّي عَلَيكُما ومُستَحفِظُهُ فيكُما ، وأمَرَهُ أن يَبتاعَ رَواحِلَ لَهُ ولِلفَواطِمِ ، ومَن أزمَعَ ۱ لِلهِجرَةِ مَعَهُ مِن بَني هاشِمٍ . . . .
وقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ وهُو يوصيهِ : وإذا أبرَمتَ ما أمَرتُكَ فَكُن عَلى اُهبَةِ الهِجرَةِ إلَى اللّهِ ورَسولِهِ ، وسِر إلَيَّ لِقُدومِ كِتابي إلَيكَ ، ولا تَلبَث بَعدَهُ . . . .
ولَمّا وَرَدَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله المَدينَةَ نَزَلَ في بَني عَمرِو بنِ عَوفٍ بِقُباءَ ، فَأَرادَهُ أبو بَكرٍ عَلى دُخولِهِ المَدينَةَ وألاصَهُ ۲ في ذلِكَ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : ما أنَا بِداخِلِها حَتّى يَقدَمَ ابنُ عَمّي وَابنَتي ؛ يَعني عَلِيّا وفاطِمَةَ عليهماالسلام . . . ثُمَّ كَتَبَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام كِتابا يَأمُرُهُ فيهِ بِالمَسيرِ إلَيهِ وقِلَّةِ التَّلَوُّمِ ۳ ، وكان الرَّسولُ إلَيهِ أبا واقِدٍ اللَّيثِيَّ ، فَلَمّا أتاهُ كِتابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَهَيَّأَ لِلخُروجِ وَالهِجرَةِ ، فَآذَنَ مَن كانَ مَعَهُ مِن ضُعَفاءِ المُؤمِنينَ ، فَأَمَرَهُم أن يَتَسَلَّلوا ويَتَخَفَّفوا إذا مَلَأَ اللَّيلُ بَطنَ كُلِّ وادٍ إلى ذي طُوىً ، وخَرَج

1.أي أجمعَ الرأي وعزمَ عليه (مجمع البحرين : ج۲ ص۷۸۱) .

2.أي أدارهُ وراودهُ (النهاية : ج۴ ص۲۷۶) .

3.التَّلَوُّم : الانتظار والتلبّث (لسان العرب : ج۱۲ ص۵۵۷) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
154

وأقَع ۱ مِنهُ بِحَيثُ مُرادُكَ ، وإن تَوفيقي إلّا بِاللّهِ . . . .
فَلَمّا غَلَقَ اللَّيلُ أبوابَهُ وأسدَلَ أستارَهُ وَانقَطَعَ الأَثَرُ ، أقبَلَ القَومُ عَلى عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقذِفونَهُ بِالحِجارَةِ وَالحَلَمِ ۲ ، ولا يَشُكّونَ أنَّهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى إذا بَرَقَ الفَجرُ وأشفَقوا أن يَفضَحَهُمُ الصُّبحُ ، هَجَمَوا عَلى عَلِيٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، وكانَت دورُ مَكَّةَ يَومَئِذٍ سَوائِبَ لا أبوابَ لَها ، فَلَمّا بَصُرَ بِهِم عَلِيٌّ عليه السلام قَدِ انتَضَوُا السُّيوفَ وأقبَلوا عَلَيهِ بِها ، وكانَ يَقدَمُهُم خالِدُ بنُ الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ ، وَثَبَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام فَخَتَلَهُ وهَمَزَ يَدَهُ ۳ ، فَجَعَلَ خالِدٌ يَقمِصُ ۴ قِماصَ البَكْرِ ۵ ، ويَرغو رُغاءَ الجَمَلِ ، ويَذعَرُ ويَصيحُ ، وهُم في عَرجِ الدّارِ مِن خَلفِهِ ، وشَدَّ عَلَيهِم عَلِيٌّ عليه السلام بِسَيفِهِ ـ يَعني سَيفَ خالِدٍ ـ فَأَجفَلوا ۶ أمامَهُ إجفالَ النَّعَمِ إلى ظاهِرِ الدّارِ ، فَتَبَصَّروهُ فَإِذا هُوَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَقالوا : إنَّكَ لَعَلِيٌّ ؟ قالَ : أنَا عَلِيٌّ ، قالوا : فَإِنّا لَم نُرِدكَ ، فَما فَعَلَ صاحِبُكَ ؟ قالَ : لا عِلمَ لي بِهِ وقَد كانَ عَلِمَ ـ يَعني عَلِيّا عليه السلام ـ أنَّ اللّهَ تَعالى قَد أنجى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله بِما كانَ أخبَرَهُ مِن مُضِيِّهِ إلَى الغارِ وَاختِبائِهِ فيهِ ، فَأَذكَت قُرَيشٌ عَلَيهِ العُيونَ ، ورَكِبَت في طَلَبِهِ الصَّعبَ وَالذَّلولَ ، واُمهِلَ عَلِيٌّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ حَتّى إذا أعتَمَ ۷ مِنَ اللَّيلَةِ القابِلَةِ انطَلَقَ هُوَ وهِندُ بنُ أبي هالَةَ حَتّى دَخَلا عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الغارِ ، فَأَمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله هِندا أن يَبتاعَ لَهُ وَلِصاحِبِهِ بَعيرَينِ ، فَقالَ أبو بَكرٍ : قَد كُنتُ أعدَدتُ لي ولَكَ يا نَبِيَّ اللّهِ راحِلَتَين

1.ويمكن ضبطها ب «واقِعٌ مِنهُ...» أيضا.

2.جمع حَلَمة : نبات ينبت بنجد في الرمل ، لها زهر ، وورقها اُخيشن ، عليه شوك (لسان العرب : ج۱۲ ص۱۴۸ و ۱۴۹) .

3.خَتَلَهُ : أي داورَه وطلبه من حيث لا يشعر (النهاية : ج۲ ص۱۰) ، والهَمْز : العصر (لسان العرب : ج۵ ص۴۲۶) .

4.القِماص : هو أن لا يستقرّ في موضع ، تراه يقمِص فيَثب من مكانه من غير صبر (لسان العرب : ج۷ ص۸۲) .

5.البَكْر : الفَتيُّ من الإبل ، بمنزلة الغلام من الناس (النهاية : ج۱ ص۱۴۹) .

6.جَفَلَ : إذا أسرع وذهب في الأرض (مجمع البحرين : ج۱ ص۳۰۰) .

7.أعْتَمَ الرجل : صار في العَتَمة ؛ وهي ثلث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشَّفَق (لسان العرب : ج۱۲ ص۳۸۱) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 232341
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي