243
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

فَلَمّا بَلَغَ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام إرجافُ المُنافِقينَ بِهِ ، أرادَ تَكذيبَهُم وإظهارَ فَضيحَتِهِم ، فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ المُنافِقينَ يَزعُمونَ أنَّكَ إنَّما خَلَّفتَنِي استِثقالاً ومَقتا ! فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : اِرجِع يا أخي إلى مَكانِكَ ، فَإِنَّ المَدينَةَ لا تَصلُحُ إلّا بي أو بِكَ ، فَأَنتَ خَليفَتي في أهلي ودارِ هِجرَتي وقَومي ، أ ما تَرضى أن تَكونَ مِنّي بَمَنزِلَةِهارونَ مَن موسى إلّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي ؟ ۱

1.الإرشاد : ج۱ ص۱۵۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
242

أنَّهُ عليه السلام عَلِمَ مِن خُبثِ نِيّاتِ الأَعرابِ ، وكَثيرٍ مِن أهلِ مَكَّةَ ومَن حَولَها مِمَّن غَزاهُم وسَفَكَ دِماءَهُم ، فَأَشفَقَ أن يَطلُبُوا المَدينَةَ عِندَ نَأيِه عَنها وحُصولِهِ بِبِلادِ الرُّومِ أو نَحوِها ، فَمَتى لَم يَكُن فيها مَن يَقومُ مَقامَهُ ، لَم يُؤمَن مِن مَعَرَّتِهِم ۱ ، وإيقاعِ الفَسادِ في دارِ هِجرَتِهِ ، وَالتَّخَطّي إلى ما يَشينُ أهلَهُ ومُخَلَّفيهِ .
وعَلِمَ عليه السلام أنَّهُ لا يَقومُ مَقامَهُ في إرهابِ العَدُوِّ وحِراسَةِ دارِ الهِجرَةِ وحِياطَةِ مَن فيها إلّا أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَاستَخلَفَهُ استِخلافا ظاهِرا ، ونَصَّ عَلَيهِ بِالإِمامَةِ مِن بَعدِهِ نَصّا جَلِيّا .
وذلِكَ فيما تَظاهَرَت بِهِ الرِّوايَةُ أنَّ أهلَ النِّفاقِ لَمّا عَلِموا بِاستِخلافِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام عَلَى المَدينَةِ حَسَدوهُ لِذلِكَ ، وعَظُمَ عَلَيهِم مُقامُهُ فيها بَعدَ خُروجِهِ ، وعَلِموا أنَّها تَنحَرِسُ بِهِ ، ولا يَكونُ لِلعَدُوِّ فيها مَطمَعٌ ، فَساءَهُم ذلِكَ ، وكانوا يُؤثِرونَ خُروجَهُ مَعَهُ ؛ لِما يَرجونَهُ مِن وُقوعِ الفَسادِ وَالاِختِلاطِ عِندَ نَأيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله عَنِ المَدينَةِ ، وخُلُوِّها مِن مَرهوبٍ مَخوفٍ يَحرُسُها . وغَبَطوهُ عليه السلام عَلَى الرَّفاهِيَةِ وَالدَّعَةِ بِمُقامِهِ في أهلِهِ ، وتَكَلُّفِ مَن خَرَجَ مِنهُمُ المَشاقَّ بِالسَّفَرِ وَالخَطَرِ .
فَأَرجَفوا بِهِ عليه السلام ، وقالوا : لَم يَستَخلِفهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إكراما لَهُ وإجلالاً ومَوَدَّةً ، وإنَّما خَلَّفَهُ استِثقالاً لَهُ . فَبَهَتوهُ بِهذَا الإِرجافِ كَبَهتِ قُرَيشٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِالجِنَّةِ تارَةً ، وبِالشِّعرِ اُخرى ، وبِالسِّحرِ مَرَّةً ، وبِالكِهانَةِ اُخرى ، وهُم يَعلَمونَ ضِدَّ ذلِكَ ونَقيضَهُ ، كَما عَلِمَ المُنافِقونَ ضِدَّ ما أرجَفوا بِهِ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وخِلافَهُ ، وأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كانَ أخَصَّ النّاسِ بِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وكانَ هُوَ أحَبَّ النّاسِ إلَيهِ ، وأسعَدَهُم عِندَهُ ، وأفضَلَهُم لَدَيهِ .

1.المَعَرَّة : الجناية ، والأذى (لسان العرب : ج۴ ص۵۵۶) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 231118
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي