27
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

راحت الحكمة تتفجّر من بين جوانحه ، وتفيض نفسه الطهور بحقائق المعرفة .
لكن أسفاً وما أعظمها لوعة أن تكون مقادير الحياة قد غيّبت اُولئك الرجال الذين يهيب بهم استعدادهم الوجودي لتلقّي المعرفة العلويّة الناصعة . ولو كانوا هناك لفاض عليهم الإمام بقبضة من شعاع علمه الباهر ، ولأشرق الوجود بقبسٍ من نور معرفته .
كان عليّ عليه السلام يحظى من «علم الكتاب» بعلمه الكامل كلّه ، في حين لم يكن لآصف بن برخيا من «علم الكتاب» إلّا بعضه ، فأهّله أن يأتي إلى سليمان عليه السلام بعرش بلقيس في طرفة عين أو أقلّ ۱ .
لم يعرف علم عليّ عليه السلام مدىً ، ولم يوقفه حدّ ، بل امتدّ سعةً حتى تخطّى كلّ العلوم . فهو في الذروة القصوى في علوم القرآن ، وفي معارف الشريعة ، وعلوم الدين ، وعلم البلايا والمنايا ، وهو السنام الأعلى في كلّ معرفة .
هل تجد لعليّ نظيراً في معرفة اللّه ، وهو ذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما عَرَفَ اللّهَ إلّا أنَا وأنتَ» ۲ ؟
أجل ؛ هو ذا كما يقول النبيّ الأقدس ؛ فهذا كلامه في التوحيد ومراتبه ، وفي إثبات الصانع وطرق الاستدلال عليه ، وفي معرفة اللّه وصفاته يقف في الذروة العليا ، وله في نظر الفلاسفة والمتكلِّمين مرتبة سامقة لا تُضاهى .
إنّ ما نطق به الإمام عليّ عليه السلام حول الوجود ، وما ذكره عن المخلوقات ، وما توفّر على إظهاره من نقاط بديعة حيال الخليقة لهو ينمّ عن إحاطة علميّة بضروب المعرفة البشريّة .

1.. قوله سبحانه : «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـذَا مِن فَضْلِ رَبِّى» (النمل : ۴۰) .

2.راجع : ج۴ ص ۵۱۴ ح ۳۵۸۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
26

للمظلومين نصيرا لا يكلّ عن الانتصاف لهم ولا يملّ ، وهو على الظالمين كنارٍ اشتدّت في يوم عاصف .
علمه الأكمل ، وبصيرته الأنفذ ، ورؤيته إلى اللّه وإلى عالم الوجود والخليقة شفيفة رائقة ، سليمة نقيّة ، لا تضارعها نظرة ولا يضاهيها نقاء .
أجل ؛ حسبُ عليّ أنّه كان عليّا وحسب ، خالصا للّه من دون شَوب ، شاهدا على الرسالة ، مجسّدا لقيمها الرفيعة ومُثلها العليا .
وهذا القسم يقدّم هذا جميعا إلى طلّاب الحقّ والنفوس الظمأى للحقيقة ، ويحمله إلى العقول المتلهّفة لمعرفة عليّ ، عبر مرآة متألّقة بنور الآيات الكريمة ، ومن خلال النصوص والوقائع التاريخيّة .

القسم الحادي عشر : علوم الإمام عليّ

عليّ عليه السلام أعظم تلميذ بزغ في مدرسة محمّد صلى الله عليه و آله . أبصر فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الجدارة والاستعداد ما يفوق به كلّ إنسان ، ومن القدرة على التعلّم ما لا مدى له ، ففاض على روحه علماً غزيراً لا ينضب ، وأراه الحقائق الكبرى الناصعة ؛ وبتعبير النصوص الروائيّة والتاريخيّة لقّنه «ألف باب» ، و«ألف حرف» ، و«ألف كلمة» ، و«ألف حديث» ۱ في مضمار معرفة الحقائق وتحرّي العلوم .
عليّ عليه السلام باب حكمة النبيّ ، ومدخل علم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو خزانة علمه ، ووارث علوم جميع النبيّين .
عليّ المؤتمن على حكمة النبيّ الحافظ لعلمه ، ومن ثَمَّ هو أعلم الاُمّة .
أمير المؤمنين عليه السلام اُذن واعية ، لذا فهو لا ينسى ما يقرع فؤاده من العلم ، وبذلك

1.جاءت هذه الألفاظ في نصوص مختلفة ، ويمكن أن يكون المقصود فيها واحدا .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 240370
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي