355
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

ستجدوني أقف بانتظاركم ، أترقّبكم كيف ترِدون .
صلّى اللّه عليك يا ضياء العالم ، ويا سراج الوجود المنير ، لقد صدعت بكلمات اللّه ، وبلّغت رسالة السماء بما هي أهله ، وأدّيت حقّ «الحقّ» اُداءً شرُفت به الحياة ، وأضاءت به مقادير الإنسان .
صلّى الله عليك ، وقد صدعت بولاية عليّ بصدر مشحون بالغصص والآلام ، لعلمك بالمدى الذي ستبلغه مكائد القوم واحَنهم ، وهي توشك أن تنطلق قويّة ضارية ، تحيك المؤامرات والمتاعب من كلّ حدب وصوب . بيد أ نّك حفظت للحقّ حرمته ، وأدّيت الأمانة .
فسلام عليك ـ نُزجيه خاشعين ـ عمّا أعطيت وهديت ، وعلى الذين نهجو نهجك الوضّاء ، وسلكوا سبيلك ، وبذلوا مهجتهم فيك .

3 ـ تتويج عليّ يوم الغدير

هو ذا نبيّ اللّه يضع عمامته على رأس عليّ ليزداد المشهد اُبّهةً وجلالاً ، فهو بحقّ : نور على نور .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله يهبط من المكان الذي وُضع له لحظة أن صدع بأخطر بلاغات السماء ، تتهادى إلى نفسه المقدّسة عذوبة شفيفة ، تسكن روحه طمأنينة باذخة ، ورضى أحسّ به بعد أن انتهى من إبلاغ الاُمّة أمر ربّه . الناس يتجمهرون حول النبيّ حلقاً حلقاً . لا ريب أنّ القلوب تموج بمشاعر مختلفة لما حصل .
ما الخبر ؟ عليّ أصبح خليفة النبيّ ؟ لم يكن قلّة اُولئك الذين تجاهلوا كلّ جهود النبيّ صلى الله عليه و آله وما بذله في سبيل هذا الأمر منذ أوّل أيّام البعثة حتى هذه اللحظة ، وما كان اصرارهم على العناد قليلاً ، لذلك شعر النبيّ أنّ مهمّته لم تكتمل بعد ، فلابدّ من المزيد إمكاناً في ترسيخ الأمر ، وإبلاغاً في الحجّة .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
354

وتتأمّلوا ثمّ تعملوا .
ثمّ انعطف يتساءل : لقد مكثت فيكم سنوات مديدة اُبلّغ رسالات ربّي فماذا أنتم قائلون ؟ أجاب الحشد بصوت واحد عالي الرنين ، رفيع الصدى : نشهد أ نّك قد بلّغت وجاهدت ، فجزاك اللّه خيراً .
واستمرّ النبيّ يسترسل بتساؤلاته إلى الجمع المحتشد أمامه ، عن اُصول ما جاء به إليهم ، فشهدوا بالتوحيد والرسالة ، وأ نّه الأولى عليهم من أنفسهم في جميع شؤون الحياة ، فأشهد اللّه عليهم قائلاً : اللّهُمَّ اشهد .
هي ذي اللحظة الموعودة أزفت ، إنّ هذا كلّه كان كالتمهيد ، ترقّب عارم يحفّ بالمشهد ، الأبصار تطمح تلقاء المُحيّا النبوي ، الآذان مشدودة إليه ، وتساؤلات تسكن الأعماق : ما الذي يريد أن يقوله النبيّ من وراء ذلك ؟
تدفّقت الكلمات من فم النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ» .
وطفق النبيّ بعدها يدعو لمن والاه ، وأنّ من يعتو عن هذا الأمر ، ويعلو عليه ، ولا يسلّم لصاحب الولاية بولايته ، فهو في الحقيقة يُعلن المعركة ضدّ الرسول ، ويشهرها حرباً على النبيّ نفسه .
أ بعد هذا يسفّ بعاقل رأيه ، ويتداعى به حزمه ، فيزعم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فعل ذلك كلّه كي يوصي بحبّ علي ؟ !
رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعلم أنّ في قومه من لا يطيق هذه الحقيقة ، وأنّ فيهم من سيحرّض على «المولى» ويحشّد الصفوف لمواجهته ، جامحاً عن الحقّ ، فشدّد وحذّر ، ثمّ ما لبث أن تحوّل إلى جانب آخر ، ليعيد تأكيد الأمر من بُعدٍ جديد .
ذكر القيامة ، وعاد ينبّه إلى لحظة الفراق ، مشيراً : إنّني اُوشك أن اُدعى فاُجيب ، لكنّي أتوجّس المستقبل ، فماذا أنتم فاعلون ! موعدنا هناك ، على الحوض ،

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 231052
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي