365
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

عندها أحجم النبيّ عن الحاضرين ، ونادى بهم : «قوموا عَنّي» ! ۱
لم تُكتب هذه الوصية النبويّة ، لكن محتواها كان واضحاً لكثيرين ـ ولا يزال ـ وهم يعرفون تماماً لماذا أحجم النبيّ عن إملائها .
لا ريب أنّ محتوى الوصيّة هو تأكيد آخر على ما تمّ إبلاغه في الغدير من الولاية وتحديد مستقبل الاُمّة ومصيرها ، تشهد على ذلك النقاط التالية :
1 ـ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحدّث عن «التمسّك» بالثقلين مرّات ومرّات ، وعدَّ ذلك عصمة للاُمّة من مهاوي الردى والضلال . وفي حديثه عن هذه الوصيّة صرّح بالخصلة ذاتها ، وهو يقول : «كِتاباً لَن تَضِلّوا» .
2 ـ ينبغي أن ندرس ونتأمّل طبيعة الشيء الذي إذا كتبه الرسول يُثير كلّ هذا الصخب والتوجّس وردود الأفعال ، حتى ليستمرئ بعض الحاضرين توجيه تلك المقالة المهينة إلى رسول اللّه ، هل كان ثمَّ شيء خليق بإثارة هذا الجوّ العنيف المنفعل غير قضيّة «القيادة» ، حتى بلغ من ضوضاء القوم أن أمر النبيّ بإخراجهم وإبعادهم عنه ، بكلمات ملؤها الألم !
3 ـ كان ابن عبّاس يتحدّث عن تلك الرزيّة [رزيّة الخميس ]على الدوام ، ويُعيد ذكراها بتوجّع وألم ، حتى كانت دموعه تسيل على خدّيه في بعض المرّات ، وقد قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوصى بثلاث بعد الذي قالوا ، قال : «أخرِجُوا المُشرِكينَ مِن جَزيرَةِ العَرَبِ ، وأجيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ ما كُنتُ اُجيزُهُم . . .» .
ثمّ ذكر ابن أبي نجيح الذي روى الخبر عن سعيد بن جبير ، ما نصّه : وسَكَتَ سَعيدٌ عَنِ الثّالِثَةِ ، فَلا أدري أسَكَتَ عَنها عَمداً ؟ ! وقالَ مَرَّةً : أو نَسِيَها ؟ وقالَ سُفيان

1.صحيح البخاري : ج۳ ص۱۱۱۱ ح۲۸۸۸ و ج ۱ ص۵۴ ح۱۱۴ ، راجع : ج ۱ ص ۶۳۷ (طلب الصحيفة والدواة) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
364

(17 )

الجهود الأخيرة

1 ـ كتابة الوصيّة

رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممدّد على فراش المرض وقد ثقل عليه المرض ، الحمّى تلهب جسده المطهّر ، وكلّ شيء يومئ إلى أنّ ساعة الرحيل قد أزفت ، وأنّ النبيّ يوشك أن يفارق هذه الدنيا بعد سنوات من الجهد الحثيث المثابر . ما يشغل النبيّ في هذه اللحظات الحرجة ويقضّ عليه مضجعه هو مستقبل الاُمّة ، والغد الذي ستؤول إليه رسالته الفتيّة ، وهذه الشجرة الطيّبة التي لا تزال بحاجة إلى الرعاية والحماية ، وإلى عناية من نوع خاصّ .
في هذه اللحظات الثقيلة بوطأة الفراق الذي أوشك ، وإذا بصوت يصدع من الحجرة النبويّة ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «اِيتوني بِكِتابٍ أكتُب لَكُم كِتاباً لَن تَضِلّوا بَعدَهُ أبَداً» ۱ .
انفجر المشهد عن لغط تحوّل بالتدريج إلى صياح وخصام في محضر النبيّ الأقدس ، ثمّ ندت عن أحد الحاضرين كلمة قارصة موجعة بعيدة كلّ البعد عن مقام النبيّ وشأوه العظيم . لقد بلغ من احتدام الموقف أنّ النساء صحن من وراء الستر إشفاقاً على النبيّ ، وهنّ يحثّنّ الرجال أن يُقرّبوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما طلبه ، فما كان من صاحب ذلك الصوت إلّا أن عاد يطعن بهنّ ۲ .

1.صحيح البخاري : ج۳ ص۱۱۱۱ ح۲۸۸۸ .

2.راجع : الطبقات الكبرى : ج۲ ص۲۴۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 231333
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي