611
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

أَمْرِى * قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» 1 وكَذلِكَ أنتَ لَمّا رُفِعَتِ المَصاحِفُ قُلتَ : يا قَومِ إنَّما فُتِنتُم بِها وخُدِعتُم . فَعَصَوكَ وخَالَفوا عَلَيكَ وَاستَدعَوا نَصبَ الحَكَمَينِ ، فَأَبَيتَ عَلَيهِم وتَبَرَّأتَ إلَى اللّهِ مِن فِعلِهِم وفَوَّضتَهُ إلَيهِم ، فَلَمّا أسفَرَ الحَقُّ ، وسَفِهَ المُنكَرُ ، وَاعتَرَفوا بِالزَّلَلِ وَالجَورِ عَنِ القَصدِ ، وَاختَلَفوا مِن بَعدِهِ ، وألزَموكَ عَلى سَفَهِ التَّحكيمِ الَّذي أبَيتَهُ ، وأحَبّوهُ ، وحَظَرتَهُ وأباحوا ذَنبَهُمُ الَّذِي اقتَرَفوهُ ، وأنتَ عَلى نَهجِ بَصيرَةٍ وهُدىً ، وهُم عَلى سُنَنِ ضَلالَةٍ وعَمىً ، فَما زالوا عَلَى النِّفاقِ مُصِرّينَ ، وفِي الغَيِّ مُتَرَدِّدينَ ، حَتّى أذاقَهُمُ اللّهُ وَبالَ أمرِهِم ، فَأَماتَ بِسَيفِكَ مَن عانَدَكَ فَشَقِيَ وهَوى ، وأحيا بِحُجَّتِكَ مَن سَعِدَ فَهَدى ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيكَ غادِيَةً ورائِحَةً وعاكِفَةً وذاهِبَةً ، فَما يُحيطُ المادِحُ وَصفَكَ ، ولا يُحبِطُ الطاعِنُ فَضلَكَ ، أنتَ أحسَنُ الخَلقِ عِبادَةً ، وأخلَصُهُم زَهادَةً ، وأذَبُّهُم عَنِ الدّينِ ، أقَمتَ حُدودَ اللّهِ بِجُهدِكَ ، وفَلَلتَ عَساكِرَ المارِقينَ بِسَيفِكَ ، تُخمِدُ لَهَبَ الحُروبِ بِبَنانِكَ ، وتَهتِكُ سُتورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ ، وتَكشِفُ لَبسَ الباطِلِ عَن صَريحِ الحَقِّ ، لا تَأخُذُكَ فِي اللّهِ لَومَةُ لائِمٍ ، وفي مَدحِ اللّهِ تَعالى لَكَ غِنىً عَن مَدحِ المادِحينَ وتَقريظِ الواصِفينَ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً» 2 ولَمّا رَأَيتَ أن قَتَلتَ النّاكِثينَ وَالقاسِطينَ وَالمارِقينَ وصَدَّقَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعدَهُ فَأَوفَيتَ بِعَهدِهِ ، قُلتَ : أ ما آنَ أن تُخضَبَ هذِهِ مِن هذِهِ ؟ أم مَتى يُبعَثُ أشقاها ؟ واثِقاً بِأَنَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّكَ ، وبَصيرَةٍ مِن أمرِكَ ، قادِما عَلَى اللّهِ ، مُستَبشِرا بِبَيعِكَ الَّذي بايَعتَهُ بِهِ ، وذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ 3 .
اللّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أنبِيائِكَ، وأوصِياءِ أنبِيائِكَ، بِجَميعِ لَعَناتِكَ، وأصلِهِم حَرَّ نارِكَ... .

1.طه : ۹۰ و ۹۱ .

2.الأحزاب : ۲۳ .

3.إشارة إلى الآية ۱۱۱ من سورة التوبة .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
610

وعَدُوُّكَ عَدُوُّ اللّهِ جاحِدٌ لِرَسولِ اللّهِ ، يَدعو باطِلاً ويَحكُمُ جائِرا ويَتَأَمَّرُ غاصِباً ويَدعو حِزبَهُ إلَى النّارِ ، وعَمّارٌ يُجاهِدُ ويُنادي بَينَ الصَّفَّينِ : الرَّواحَ الرَّواحَ إلَى الجَنَّةِ ، ولَمَّا استَسقى فَسُقِيَ اللَّبَنَ كَبَّرَ وقالَ : قالَ لي رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : آخِرُ شَرابِكَ مِنَ الدُّنيا ضَياحٌ مِن لَبَنٍ ، وتَقتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ ، فَاعتَرَضَهُ أبُو العادِيَةِ الفَزارِيُّ فَقَتَلَهُ ، فَعَلى أبِي العادِيَةِ لَعنَةُ اللّهِ ولَعنَةُ مَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ أجمَعينَ ، وعَلى مَن سَلَّ سَيفَهُ عَلَيكَ ، وسَلَلتَ عَلَيهِ سَيفَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ مِنَ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ إلى يَومِ الدّينِ ، وعَلى مَن رَضِيَ بِما ساءَكَ ولَم يَكرَههُ ، وأغمَضَ عَينَهُ ولَم يُنكِرهُ ، أو أعانَ عَلَيكَ بِيَدٍ أو لِسانٍ ، أو قَعَدَ عَن نَصرِكَ ، أو خَذَلَ عَنِ الجِهادِ مَعَكَ ، أو غَمَطَ فَضلَكَ ، أو جَحَدَ حَقَّكَ ، أو عَدَلَ بِكَ مَن جَعَلَكَ اللّهُ أولى بِهِ مِن نَفسِهِ ، وصَلَواتُ اللّهِ عَلَيكَ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ وسَلامُهُ وتَحِيّاتُهُ ، وعَلَى الأَئِمَّةِ مِن آلِكَ الطّاهِرينَ ، إنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ . . . وأشبَهتَ فِي البَياتِ عَلَى الفِراشِ الذَّبيحَ عليه السلام ؛ إذ أجَبتَ كَما أجابَ ، وأطَعتَ كَما أطاعَ إسماعيلُ صابِرا مُحتَسِبا ؛ إذ قالَ لَهُ : «يَـبُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَـأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـبِرِينَ» 1 وكَذلِكَ أنتَ لَمّا أباتَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللّهُ عَلَيكُما وأمَرَكَ أن تَضطَجِعَ في مَرقَدِهِ واقِياً لَهُ بِنَفِسَك ، أسرَعتَ إلى إجابَتِهِ مُطيعاً ، ولِنَفسِكَ عَلَى القَتلِ مُوَطِّناً ، فَشَكَرَ اللّهُ تَعالى طاعَتَكَ ، وأبانَ عَن جَميلِ فِعلِكَ بِقَولِهِ جَلَّ ذِكرُهُ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ» 2 .
ثُمَّ مِحنَتُكَ يَومَ صِفّينَ وقَد رُفِعَتِ المَصاحِفُ حيلَةً ومَكرا ، فَاُعرِضَ الشَّكُّ ، وعُرِفَ الحَقُّ، وَاتُّبِعَ الظَنُّ ، أشبَهَت مِحنَةَ هارونَ ؛ إذ أمَّرَهُ موسى عَلى قَومِهِ فَتَفَرَّقوا عَنهُ ، وهارونُ يُناديهِم : «يَـقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـنُ فَاتَّبِعُونِى وَ أَطِيعُوا

1.الصافّات : ۱۰۲ .

2.البقرة : ۲۰۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 178527
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي