115
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

3 / 6

شِقشِقَةٌ هَدَرَت !

۱۰۷۷.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن خُطبَةٍ لَه عليه السلام ـ: أما وَاللّهِ لَقَد تَقَمَّصَها فُلانٌ ۱ ، وإنَّهُ لَيَعلَمُ أنَّ مَحلّي مِنها مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحا ، يَنحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ، ولا يَرقى إلَيَّ الطَّيرُ ؛ فَسَدَلتُ دونَها ثَوبا ، وطَوَيتُ عَنها كَشحا ، وطَفِقتُ أرتَئي بَينَ أن أصولَ بِيَدٍ جَذّاءَ ۲ ، أو أصبِرَ عَلى طَخيَةٍ ۳ عَمياءَ ، يَهرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، ويَشيبُ فيهَا الصَّغيرُ ، ويَكدَحُ فيها مُؤمِنٌ حَتّى يَلقى رَبَّهُ !
فَرَأَيتُ أنَّ الصَّبرَ عَلى هاتا أحجى ، فَصَبَرتُ وفِي العَينِ قَذىً ۴ ، وفِي الحَلقِ شَجا ۵ ، أرى تُراثي نَهبا ، حَتّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبيلِهِ ، فَأَدلى بِها إلى فُلانٍ بَعدَهُ .
ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَولِ الأَعشى :


شَتّانَ ما يَومي عَلى كورِها۶
ويومُ حَيَّان أخي جابِرِ

فَياعَجَبا ! ! بَينا هُوَ يَستَقيلُها في حَياتِهِ إذ عَقَدَها لِاخر بَعدَ وَفاتِهِ ـ لَشَدَّ ما تَشَطَّرا ضَرعَيهَا ! ـ فَصَيَّرَها في حَوزَةٍ خَشناءَ يَغلُظُ كَلمُها ، ويَخشُنُ مَسُّها ، ويَكثُرُ العِثارُ فيها ، وَالاِعتِذارُ مِنها ، فَصاحِبُها كَراكِبِ الصَّعبَةِ إن أشنَقَ لَها خَرَمَ ، وإن أسلَسَ لَها

1.قمصتُه قميصا : إذا ألبسته ، وأراد بالقميص الخلافة ، وهو من أحسن الاستعارات (النهاية : ج۴ ص۱۰۸) .

2.جَذَّاء : مقطُوعة ، كنّى به عن قُصور أصحابه وتقاعُدِهم عن الغَزوِ ؛ فإنّ الجندَ للأمير كاليد (النهاية : ج۱ ص۲۵۰) .

3.طخية عمياء : أي ظلمة لا يُهتدى فيها للحقّ ، وكنّى بها عن التباس الاُمور في أمر الخلافة (مجمع البحرين : ج۱ ص۲۷۹) .

4.القَذى : ما يقع في العين والماء والشراب من تُراب أو تِبْن أو وسخ أو غير ذلك (النهاية : ج۴ ص۳۰) .

5.ما يَنْشَبُ في الحَلْق من عظمٍ ونحوه فَيُغَصُّ به (مجمع البحرين : ج۲ ص۹۳۲) .

6.الكُور ـ بالضمّ ـ : الرَّحل ، وقيل : الرَّحل بأداته (لسان العرب : ج۵ ص۱۵۴) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
114

فَقُلتُ : تَقومُ فِي النّاسِ ، وتَدعوهُم إلى نَفسِكَ ، وتُخبِرُهُم أنَّكَ أولى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِالفَضلِ والسّابِقَةِ ، وتَسأَلُهُمُ النَصرَ عَلى هؤُلاءِ المُتَمالِئينَ عَلَيكَ ۱ ، فَإِن أجابَكَ عَشرَةٌ مِن مِئَةٍ شَدَدتَ بِالعَشرَةِ عَلَى المِئَةِ ، فَإِن دانوا لَكَ كانَ ذلِكَ عَلى ما أحبَبتَ ، وإن أبَوا قاتَلتَهُم ، فَإِن ظَهَرتَ عَلَيهِم فَهُوَ سُلطانُ اللّهِ الَّذي آتاهُ نَبِيَّهُ عليه السلام وكُنتَ أولى بِهِ مِنهُم ، وإن قُتِلتَ في طَلَبِهِ قُتِلتَ شَهيدا ، وكُنتَ أولى بِالعُذرِ عِندَ اللّهِ ، وأحَقَّ بِميراثِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
فقال : أ تَراهُ ـ يا جُندَبُ ـ يُبايِعُني عَشرَةٌ مِن مِئَةٍ ؟ !
قُلتُ : أرجو ذلِكَ .
قالَ : لكِنَّني لا أرجو ولا مِن كُلِّ مِئَةٍ اثنَينِ ، وسَاُخبِرُكَ مِن أينَ ذلِكَ ، إنَّما يَنظُرُ النّاسُ إلى قُرَيشٍ ، وإنَّ قُرَيشا تَقولُ : إنَّ آل مُحَمَّدٍ يَرَونَ لَهُم فَضلاً عَلى سائِرِ النّاسِ ، وإنَّهُم أولِياءُ الأَمرِ دونَ قُرَيشٍ ، وإنَّهُم إن وَلوهُ لَم يَخرُج مِنهُم هذَا السُّلطانُ إلى أحَدٍ أبَدا ، ومَتى كانَ في غَيرِهِم تَداوَلتُموهُ بَينَكُم ، ولا ـ وَاللّهِ ـ لا تَدفَعُ قُرَيشٌ إلَينا هذَا السُّلطانَ طائِعينَ أبَدا .
فَقُلتُ لَهُ : أفَلا أرجِعُ فَاُخبِرَ النّاسَ بِمَقالَتِكَ هذِهِ ، وأدعُوَهُم إلَيكَ ؟
فَقالَ لي : يا جُندَبُ ، لَيسَ هذا زَمانَ ذاكَ .
فَرَجَعتُ بَعدَ ذلِكَ إلَى العِراقِ ، فَكُنتُ كُلَّما ذَكَرتُ لِلنّاسِ شَيئا مِن فَضائِلِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ومَناقِبِهِ وحُقوقِهِ زَبَروني ونَهَروني ، حَتّى رُفِعَ ذلِكَ مِن قَولي إلَى الوَليدِ بنِ عُقبَةَ لَيالِيَ وَلِيَنا ، فَبَعَثَ إلَيَّ فَحَبَسَني حَتّى كُلِّمَ فِيَّ فَخَلّى سَبيلي ۲ .

1.المتمالئين عليك : أي الَّذين تساعدوا واجتمعوا وتعاونوا (النهاية : ج۴ ص۳۵۳) .

2.الإرشاد : ج۱ ص۲۴۱ ، الأمالي للطوسي : ص۲۳۴ ح۴۱۵ ؛ شرح نهج البلاغة : ج۹ ص۵۷ نحوه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 227758
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي