123
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

بالسياسة ودعاة الفتن ، لو كانت يومذاك ثمّةَ آذان واعية . وجاء الشاهد على صدق كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيما نقله المؤرّخون ؛ من أنّ عثمان بعدما اشتدّ عليه المرض دعا كاتبا ، وأمره أن يكتب عهده بالخلافة من بعده لعبد الرحمن : فكتب بما أمره ۱ .
2 ـ لماذا لم يوافق الإمام عليه السلام على شرط عبد الرحمن؟
لأنّه كانت قد مرّت حينذاك سنوات على وفاة الرسول صلى الله عليه و آله ، ووقعت فيها تغيّرات كثيرة ، وصدرت أحكام كثيرة مناقضة لحكم الرسول صلى الله عليه و آله ، وبُدّلت سنّته صلى الله عليه و آله في موارد كثيرة ۲ .
فكيف كان يتسنّى للإمام عليه السلام قبول هذا الشرط ؟ ولو أنّه قبله وتسلّم زمام الاُمور ـ على فرض المحال ـ كيف كان يتسنّى له التوفيق بين تلك المتناقضات؟ وما كان عساه يفعل مع تلك التغييرات؟
هل كان النّاس على استعداد لقبول إعادة الحقائق إلى مسارها الأوّل؟ فقد أثبت عهد خلافة الإمام عليّ عليه السلام عدم استعداد النّاس لقبول عودة الحقائق إلى مسارها الأوّل ، مع أنّ الكثير من المسائل قد تجلّت بكلّ وضوح يومذاك ، ومع أنّ النّاس قد أقبلوا بأنفسهم عليه ، غير أنّه كان يواجه صعوبة في كثير من القرارات ، والمثال الواضح على ذلك «صلاة التراويح» .
ولو عرضنا هذا السؤال من زاوية اُخرى وقلنا : لماذا لم يقبل الإمام شرط عبد الرحمن؟ نلاحظ هنا أنّه عليه السلام كان أمام معادلتين :
الاُولى : قبول الشرط وإقامة حكومة العدل الإسلامي .
الثانية : عدم قبول الشرط ؛ لأنّه لم يكُن حقّا ، مع التضحية بهذا المنصب الخطير .

1.تاريخ المدينة : ج۳ ص۱۰۲۹ ، تاريخ دمشق : ج۱۵ ص۱۷۸ ؛ تاريخ اليعقوبي: ج۲ ص۱۶۹ .

2.راجع كتاب «النصّ والاجتهاد» للعلّامة السيّد شرف الدين .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
122

الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ» 1 .
ثُمَّ قالَ لَهُ :
«وَاللّهِ ما وَلَّيتَ عُثمانَ إلّا لِيَرُدَّ الأَمرَ إلَيكَ» 2 .
وصاحَ المِقدادُ :
«ما رَأَيتُ مِثلَ ما اُوتِيَ إلى أهلِ هذَا البَيتِ بَعدَ نَبِيِّهِم ! إنّي لَأَعجَبُ من قُرَيشٍ أنَّهُم تَرَكوا رَجُلاً ما أقولُ إنَّ أحَدا أعلَمُ ولا أقضى مِنهُ بِالعَدلِ . أما وَاللّهِ لَو أجِدُ عَلَيهِ أعوانا» 3 .
ثمّ إنّ عمارا قال من شدّة حرصه على الإسلام :


يا ناعِيَ الإسلامِ قُم فَانعَهُ
قد ماتَ عرفٌ وأتى مُنكَرُ 4

أوَلم يكن الأمر كذلك ؟ أوَلم يُنعَ الاسلام من خلال تسلّط بني اُميّة؟!
أوَلم تنبعث الجاهليّة من جديد؟ فقد خرج عثمان في الليلة الَّتي بويع له في يومها إلى صلاة العشاء وبين يديه شمعة ، فلقيه المقداد ، فقال : ما هذه البدعة؟! 5
ولغرض تعميم وإكمال البحث نورد الملاحظات التالية :
1 ـ ذكرنا أنّ عليّا عليه السلام قال لعبد الرحمن بن عوف :
«وَاللّهِ ما وَلَّيتَ عُثمانَ إلّا لِيَرُدَّ الأَمرُ إلَيكَ» .
ولم يُصرّح عليه السلام بمثل هذا الكلام إلّا انطلاقا من معرفته بأحوال المتلاعبين

1.يوسف : ۱۸ .

2.تاريخ الطبري : ج۴ ص۲۳۳ ، تاريخ المدينة : ج۳ ص۹۳۰ .

3.تاريخ الطبري : ج۴ ص۲۳۳ ، تاريخ المدينة : ج۲ ص۹۳۱ .

4.البدء والتاريخ : ج۵ ص۱۹۲ ، شرح نهج البلاغة : ج۱۲ ص۲۶۶.

5.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۶۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 230190
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي