217
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

أسكُتُ ؟ فَقالَ : تَكَلَّمي .
فَقالَت : قَد سَمِعتُ قَولَ عَلِيٍّ لَكَ وإنَّهُ لَيسَ يُعاوِدُكَ ، وقَد أطَعتَ مَروانَ يَقودُكَ حَيثُ شاءَ ، قالَ : فَما أصنَعُ ؟ قالَت : تَتَّقِي اللّهَ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وتَتَّبِعُ سُنَّةَ صاحِبَيكَ مِن قَبلِكَ ؛ فَإِنَّكَ مَتى أطَعتَ مَروانَ قَتَلَكَ ، ومَروانُ لَيسَ لَهُ عِندَ النّاسِ قَدرٌ ولا هَيبَةٌ ولا مَحَبَّةٌ ، وإنَّما تَركُكَ النّاسَ لِمَكانِ مَروانَ ، فَأَرسِل إلى عَلِيٍّ فَاستَصلِحهُ ؛ فَإِنَّ لَهُ قَرابَةً مِنكَ وهُوَ لا يُعصى .
قالَ : فَأَرسَلَ عُثمانُ إلى عَلِيٍّ فَأَبى أن يَأتِيَهُ ، وقالَ : قَد أعلَمتُهُ أنّي لَستُ بِعائِدٍ ۱ .

۱۲۱۳.تاريخ الطبريـ في ذِكرِ ما حَدَثَ بَعدَ رُجوعِ المِصرِيّينَ ـ: لَمّا رَجَعَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى عُثمانَ أخبَرَهُ أنَّهُم قَد رَجَعوا ، وكَلَّمَهُ عَلِيٌّ كَلاما في نَفسِهِ ، قالَ لَهُ : اِعلَم أنّي قائِلٌ فيكَ أكثَرَ مِمّا قُلتُ . قالَ : ثُمَّ خَرَجَ إلى بَيتِهِ .
قالَ : فَمَكَثَ عُثمانُ ذلِكَ اليَومَ حَتّى إذا كانَ الغَدُ جاءَهُ مَروانُ ، فَقالَ لَهُ : تَكَلَّم وأعِلمِ النّاسَ أنّ أهلَ مِصرَ قَد رَجَعوا ، وأنَّ ما بَلَغَهُم عَن إمامِهِم كانَ باطِلاً ؛ فَإِنَّ خُطبَتَكَ تَسيرُ فِي البِلادِ قَبلَ أن يَتَحَلَّبَ النّاسُ عَلَيكَ مِن أمصارِهِم ، فَيَأتِيَكَ مَن لا تَستَطيعُ دَفعَهُ . قالَ : فَأَبى عُثمانُ أن يَخرُجَ ، قالَ : فَلَم يَزَل بِهِ مَروانُ حَتّى خَرَجَ ، فَجَلَسَ عَلَى المِنبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : أمّا بَعدُ : فَإِنَّ هؤُلاءِ القَومَ مِن أهلِ مِصرَ كانَ بَلَغَهُم عَن إمامِهِم أمرٌ ، فَلَمّا تَيَقَّنوا أنَّهُ باطِلٌ ما بَلَغَهُم عَنهُ رَجَعوا إلى بِلادِهِم . قالَ : فَناداهُ عَمرُو بنُ العاصِ مِن ناحِيَةِ المَسجِدِ : اِتَّقِ اللّهَ يا عُثمانُ ؛ فَإِنَّكَ قَد رَكِبتَ نَهابيرَ وَرِكبناها مَعَكَ ، فَتُب إلَى اللّهِ نَتُب . قالَ : فَناداهُ عُثمانُ ، وإنَّكَ هُناكَ يَابن

1.تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۶۱ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۲۸۴ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۱۷۲ ؛ الجمل : ص۱۹۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
216

فَقالَ مَروانُ : بِأَبي أنتَ واُمّي ، وَاللّهِ لَوَدِدتُ أنَّ مَقالَتَكَ هذِهِ كانَت وأنتَ مُمتَنِعٌ مَنيعٌ فَكُنتُ أوَّلَ مَن رَضِيَ بِها وأعانَ عَلَيها ، ولكِنَّكَ قُلتَ ما قُلتَ حينَ بَلَغَ الحزام الطُّبْيَين ، وخَلَّفَ السَّيلُ الزُّبى ۱ ، وحينَ أعطَى الخطَّةَ الذَّليلَةَ الذَليلُ ، وَاللّهِ لَاءقامَةٌ عَلى خَطيئَةٍ تَستَغِفرُ اللّهَ مِنها أجمَل مِن تَوبَةٍ تُخُوِّفَ عَلَيها ، وإنَّكَ إن شِئتَ تَقَرَّبتَ بِالتَّوبَةِ ولَم تُقرِرْ بِالخَطيئَةِ ، وقَدِ اجتَمَعَ إلَيكَ عَلَى البابِ مِثلُ الجِبالِ مِن النّاسِ ، فَقالَ عُثمانُ : فَاخرُج اِلَيهِم فَكَلِّمهُم ؛ فَإنّي أستَحيي أن أُكَلِّمُهُم .
قالَ : فَخَرَجَ مَروانُ إلَى البابِ وَالنّاسُ يَركَبُ بَعضُهُم بَعضا ، فَقالَ : ما شَأنُكُم قَدِ اجتَمَعتُم كَأَنَّكُم قَد جِئتُم لِنَهبٍ ؟ شاهَتِ الوُجوهُ ، كُلُّ إنسانٍ آخِذٌ بِاُذُنِ صاحِبِهِ ، ألا مَن اُريدَ ، جِئتُم تُريدونَ أن تَنزعوا مُلكَنا مِن أيدينا ، اُخرُجوا عَنّا ، أما وَاللّهِ لَئِن رُمتُمونا لَيَمُرَّنَّ عَلَيكُم مِنّا أمرٌ لا يَسُرُّكُم ، ولا تَحمَدوا غبَّ رَأيِكُمُ ، ارجَعوا إلى مَنازِلِكُم ؛ فَإِنّا وَاللّهِ ما نَحنُ مَغلوبينَ عَلى ما في أيدينا .
قالَ : فَرَجَعَ النّاسُ ، وخَرَجَ بَعضُهُم حَتّى أتى عَلِيّا فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ ، فَجاءَ عَلِيٌّ عليه السلام مُغضَبا حَتّى دَخَلَ عَلى عُثمانَ ، فَقالَ : أما رَضيتَ مِن مَروانَ ولا رَضِيَ مِنكَ إلّا بِتَحَرُّفِكَ عَن دينِكَ وعَن عَقلِكَ ، مِثلِ جَمَلِ الظّعينَةِ يُقادُ حَيثُ يُسارُ بِهِ ؟ وَاللّهِ ما مَروانُ بِذي رَأيٍ في دينِهِ ولا نَفسِهِ ، وَايمُ اللّهِ إنّي لَأَراهُ سَيورِدُكَ ثُمَّ لا يَصدُرُكَ ، وما أنَا بِعائِدٍ بَعدَ مَقامي هذا لِمُعاتَبَتِكَ ، أذهَبتَ شَرَفَكَ ، وغُلِبتَ عَلى أمرِكَ .
فَلَمّا خَرَجَ عَلِيٌّ ، دَخَلَت عَلَيهِ نائِلَةُ بِنتُ الفَرافِصَةِ امرَأَتُهُ ، فَقالَت : أتَكَلَّمُ أو

1.كذا في المصدر ، وفي البداية والنهاية : «جاوزَ الحزامُ الطُّبْيَين وبلغ السيلُ الزُّبى» وهو الموجود في كتب الأمثال . قال الميداني : بلغ السَّيلُ الزُّبى : هي جمع زُبْية ؛ وهي حفرة تُحفر للأسد إذا أرادوا صيده ، وأصلها الرابية لا يعلوها الماء ، فإذا بلغها السيل كان جارفاً مجحفاً . وهو مثل يضرب لما جاوز الحدّ . وجاوز الحزام الطُّبيين : الطُّبيُ للحافر والسباع كالضرع لغيرها ، وهو مثل يُضرب عند بلوغ الشدَّة منتهاها (مجمع الأمثال : ج۱ ص۱۵۸ الرقم ۴۳۶ و ص ۲۹۵ الرقم ۸۷۱) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 230467
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي