النابِغَةِ ! قَملت وَاللّهِ جُبَّتُكَ مُنذُ تَرَكتُكَ مِنَ العَمَلِ . قالَ : فَنودِيَ مِن ناحِيَةٍ اُخرى : تُب إلَى اللّهِ ، وأظهِرِ التَّوبَةَ يَكُفَّ النّاسُ عَنكَ . قالَ : فَرَفَعَ عُثمانُ يَدَيهِ مَدّا ، وَاستَقبَلَ القِبلَةَ فَقالَ : اللّهُمَّ إنّي أوَّلُ تائِبٍ تابَ إلَيكَ .
ورَجَعَ إلى مَنزِلِهِ ، وخَرَجَ عَمرُو بنُ العاصِ حَتّى نَزَلَ مَنزِلَهُ بِفِلَسطينَ ، فَكانَ يَقولُ : وَاللّهِ إن كُنتُ لَأَلقَى الرّاعِيَ فَاُحَرِّضَهُ عَلَيهِ ۱ .
۱۲۱۴.تاريخ الطبري عن أبي عَون :سَمِعتُ عَبدَ الرَّحمنِ بنَ الأَسوَدِ بنِ عَبد يَغوثَ يَذكُرُ مَروانَ بنَ الحَكَمِ ، قالَ : قَبَّحَ اللّهُ مَروانَ ؛ خَرَجَ عُثمانُ إلَى النّاسِ فَأَعطاهُمُ الرِّضى ، وبَكى عَلَى المِنَبرِ وبَكَى النّاسُ حَتّى نَظَرتُ إلى لِحيَةِ عُثمانَ مخضلَّةً مِنَ الدُّموعِ ، وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إنّي أتوبُ إلَيكَ ، اللّهُمَّ إنّي أتوبُ إلَيكَ ، اللّهُمَّ إنّي أتوبُ إلَيكَ ! وَاللّهِ لَئِن رَدَّنِي الحَقُّ إلى أن أكونَ عَبدا قنّا لَأَرضَيَنَّ بِهِ ، إذا دَخَلتُ مَنزِلي فَادخُلوا عَلَيَّ ، فَوَاللّهِ لا أحتَجِبُ مِنكُم ، ولَاُعطِيَنَّكُم الرِّضى ، ولَأَزيدَنَّكُم عَلَى الرِّضى ، ولَاُنَحِّيَنَّ مَروانَ وذَويهِ .
قالَ : فَلَمّا دَخَلَ أمَرَ بِالبابِ فَفُتِحَ ، ودَخَلَ بَيتَهُ ، ودَخَلَ عَلَيهِ مَروانُ ، فَلَم يَزَل يفتلُهُ فِي الذِّروَةِ وَالغارِبِ حَتّى فَتَلَهُ عَن رَأيِهِ ، وأزالَهُ عَمّا كانَ يُريدُ ، فَلَقَد مَكَثَ عُثمانُ ثَلاثَةَ أيّامٍ ما خَرَجَ استِحياءً مِنَ النّاسِ .
وخَرَجَ مَروانُ إلَى النّاسِ ، فَقالَ : شاهَتِ الوُجوهُ ! ألا مَن اُريدَ ! ارجَعُوا إلى مَنازِلِكُم ؛ فَإِن يَكُن لِأَميرِ المُؤمِنينَ حاجَةٌ بِأَحَدٍ مِنكُم يُرسِل إلَيهِ ، وإلّا قَرَّ في بَيتِهِ .
قالَ عَبدُ الرَّحمنِ : فَجِئتُ إلى عَلِيٍّ فَأَجِدُهُ بَينَ القَبرِ وَالمِنبَرِ ، وأجِدُ عِندَهُ عَمّارَ بنَ ياسِرٍ ، ومُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ ، وهُما يَقولانِ : صَنَعَ مَروانُ بِالنّاسِ وصُنَعَ .