267
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

عبد اللّه بن سبأ وجه مشبوه

تحدّثت مصادر التاريخ الإسلامي عن شخص يدعى عبد اللّه بن سبأ . بَيد أنّ الأخبار المتناقضة عن شخصيّته وتأثيره في الأحداث ومقدرته الفكريّة ومكانته الاجتماعيّة والسياسيّة ألقت هالة من الغموض على صورته الحقيقيّة . فقد ذهب بعض الباحثين ۱ إلى تضخيم دوره ـ بناءً على ما ورد بشأنه من أخبار ـ في وقائع صدر الإسلام بشكلٍ مذهل ، بل وحتّى إنّهم نسبوا إليه ـ من غير تروٍّ ـ رؤية خاصّة في الثقافة الإسلاميّة ، وعزوا إليه بعض الحوادث من قبيل الثورة على عثمان . هذا من جهة ، ومن جهةٍ اُخرى صرّح مفكّرون آخرون بعدم وجود مثل هذه الشخصيّة أساسا ، معلنين بأنّه ليس إلّا اُسطورة ۲ ، أو أنّهم شكّكوا بوجوده على الأقل ۳ .
ونحن في هذا المدخل لسنا بصدد تقصّي جميع الأخبار الواردة بشأن هذه الشخصيّة ، ونكتفي بإلقاء نظرة سطحيّة عليه ؛ وننفي تبعا لذلك دوره في الثورة على عثمان ، ونعلن بأنّ الخبر المتعلّق بتلك الواقعة لا يمكن التعويل عليه من حيث

1.مثل محمود محمّد شاكر في «الخلفاء الراشدون» ، وفي مجلّة الرسالة : العدد ۷۶۱ ـ ۷۶۳ ، وسعيد الأفغاني في «عائشة والسياسة» ، وعبد الرحمن بدوي في «مذاهب الإسلاميّين» ، وإحسان إلهي ظهير في «الشيعة والسُنّة» .

2.مثل العلّامة مرتضى العسكري في «عبد اللّه بن سبأ وأساطير اُخرى» ، وعلي الوردي في «وعّاظ السلاطين» ، وعبد اللّه الفيّاض في «تاريخ الإماميّة» .

3.مثل طه حسين في كتاب «عليّ وبنوه» ، وجواد علي في مجلّة الرسالة : العدد ۷۷۴ ـ ۷۷۸ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
266

«أرَدتَ أن اُقتَلَ فَتَقولَ : أنا وَلِيُّ الثَأرِ» ۱ .
عندما كتب عثمان كتابا يستحثّه فيه على نصرته ، أخذ يسوّف ويتعلّل إلى أن ذهبت الفرصة أدراج الرياح . لننظر إلى هذا النصّ التاريخي :
«فَلَمّا جاءَ مُعاوِيَةَ الكِتابُ تَرَبَّصَ بِهِ وكَرِهَ اظهارَ مُخالَفَةِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ وقَد عَلِمَ اجتِماعَهُم» .
وهكذا يمكن القول بأنّ معاوية كانت له يد في قتل عثمان بشكلٍ غير مباشر . وكان لتلك اليد تأثيرها كما أشار الإمام عليّ عليه السلام إلى هذا المعنى في إحدى كلماته .
وعلى كلّ حال فقد تظافرت التيّارات المنبثقة من أربعة نقاط مهمّة في الخلافة الإسلاميّة آنذاك ، وصنعت ثورة شاملة ضدّ عثمان . ومن الطبيعي أنّ حضور جموع غفيرة من المسلمين في المدينة ، واعتراضهم الصريح على أعمال عثمان ، لم يدفعه هو وبطانته لإعادة النظر في الماضي ، بل عمدوا بدلاً من ذلك إلى تجاهل الاُمور ، ومعاملة الثائرين بأساليب غير مُرضية ، ممّا أدّى إلى تأزيم الأوضاع ومهّد الظروف لقتل عثمان .
يتّضح ممّا مرّ ذكره أنّ ما نقله سيف بن عمر وحاول فيه تجاهل الأسباب والعوامل المذكورة أعلاه تجاهلاً تامّا ، ونسبة الأحداث الَّتي وقعت ضدّ عثمان إلى شخص كعبد اللّه بن سبأ ، بعيد عن الحقيقة وعن الواقع التاريخي .
وقد وصفت المصادر الرجاليّة سيف بن عمر بالكذب ، وطعنت فيه . وهذا ما يوجب عدم التعويل على أخباره . وفضلاً عن كلّ ذلك فحتّى لو كان صادقا ، فإنّ ما نقله من الأخبار جاء على نحو لا يمكن التصديق به على الإطلاق ، ومن الواضح أنّ دور عبد اللّه بن سبأ فيها موضوع ولا صحّة له . وسوف نبحث هذه المسألة في البيان الآتي .

1.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۷۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 227893
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي