335
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

وسُنّته ، وكان أدرى من غيره بأنّ سبب الثورة العامّة على عثمان لم يكن من أجل العودة إلى القيم الإسلاميّة الأصيلة، وأنّ بعض الثائرين لا سيما مَن ركب الموجة منهم ـ كعائشة، وطلحة، والزبير ـ قاموا بما قاموا به لأسباب سياسيّة واقتصاديّة معيّنة ، فالباعث لهم على بيعة الإمام عليه السلام لا ينسجم مع هدفه من قبول الحكومة. وإذا ما بلغوا النتيجة الحتميّة وأدركوا أنّ عليّا لا يسايرهم ولا يماشيهم ولا يمنح أحدا امتيازا خلاف الحقّ والعدل، فسيناهضون إصلاحاته، ويجرّون المجتمع الإسلاميّ إلى التفرقة والتشتّت ۱ .
4 ـ مبايعته مبايعة للأهداف العلويّة؛ فمن صافحه وعاهده فعليه أن يكون متأهّبا لمرافقته ، وملازمته من أجل إزالة التحريفات، وإعادة بناء المجتمع معنويّا، وتحكيم الدين تحكيما حقيقيّا، وإحياء ما نَسيَته الأذهان، وكشف الحقائق الَّتي مُنيت بالتغيير والتبديل...
وأراد عليه السلام أن يلقي الحجّة على الأمواج البشريّة العارمة الَّتي كانت تنادي باسمه للخلافة ، وأراد أن يُعلمها أنّه لايستهدف من قبول الخلافة إلّا بسط العدل، وإقامة الحقّ، وإحياء دين اللّه ، وهذا هو السبيل لا غيره.

1 / 4

دَوافِعُ الإِمامِ لِقَبولِ الحُكومَةِ

۱۲۸۶.الإمام عليّ عليه السلام :أما وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَولا حُضورُ الحاضِرِ ، وقِيامُ الحُجَّةِ بِوُجودِ النّاصِرِ ، وما أخَذَ اللّهُ عَلَى العُلَماءِ ألّا يُقارّوا ۲ عَلى كِظَّةِ ۳ ظالِمٍ ، ولا سَغَبِ ۴

1.سنذكر تفصيل الموضوع في ج ۴ ص ۵۱ (أيّام المحنة) .

2.قارَّه مُقارَّة : أي قرَّ معه وسكن ، وهو تفاعل من القرار (لسان العرب : ج۵ ص۸۵) .

3.الكِظَّة : البِطنَة ، كظّه الطعامُ والشرابُ يكُظُّه كظّا؛ إذا ملأه حتّى لا يطيق النفَس (لسان العرب : ج۷ ص۴۵۷) . والمراد استئثار الظالم بالحقوق .

4.سَغِب الرجل يَسغَب وسَغَبَ يَسغُبُ : جاع (لسان العرب : ج۱ ص۴۶۸) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
334

إنّه لكلامٌ بليغ، كلام معبّر ، وذو مغزى . إنّ ما نستقبله أمر ذو ألوان شتّى، وله وجوه وأشكال متباينة . . . نستقبل أمواجا تبدأ بعدها العواصف والأعاصير ، والعدل الَّذي اُصِرّ عليه يستتبع صيحات تعلو ، وصرخات تتصاعد هنا وهناك ... .
وكان عليه السلام يريد أن تتمهّد الأرضيّة، ويضع للناس معايير التعامل ومقاييسه، ويعيد الكلام حول الخطوط الأصليّة للحكومة، ويستبين المستقبل ليختار الناسُ سبيلهم بوعي ، ويتّخذوا موقفهم عن بصيرة.
في كلامه عليه السلام ، بعد امتناعه ورفضه في الخطبة المذكورة وفي مواضع اُخرى :
1 ـ تأكيد على أنّه غير عاشق للرئاسة وليس من طلّابها ؛ فإذا تحدّث عن نفسه، وتأوّه ممّا حدث بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأكّد زعامته وإمامته، فذلك كلّه لتوضيح الحقائق ، وتأكيد المصالح.
وإذا تسلّم زمام الاُمور، ورضي بالخلافة ، فلإقامة الحقّ، وبناء حكومة على النهج الَّذي يعرفه هو ويرتضيه ؛ كي لا يرى أحد أو جماعة أو قبيلة أنّ الإمام عليه السلام مَدين لهم بسبب تعالي صيحاتهم لبيعته ، فيفرضوا عليه أهواءهم وطلباتهم.
2 ـ تأكيد على أنّ تغييرات قد لحقت بتعاليم الدين، وأنّ الرسالة الإلهيّة بعد نبيّها اُصيبت بداء التبدّلات والتقلّبات. فإذا أخذ بزمام الاُمور فإنّه يكافح التحريفات ويقارعها، ويزيح الستار عن الوجه الحقيقي للدين ، وينفض عنه غبار التحريف. وهذا كلّه يستتبع توتّرات سياسيّة واجتماعيّة.
3 ـ آيةٌ على معرفة الإمام عليه السلام الدقيقة بالمجتمع وبالنفس الإنسانيّة وخبرته بزمانه. ويدلّ هذا الكلام على أنّه عليه السلام لم ينخدع بانثيال النّاس عليه لبيعته في ذلك الجوّ السياسيّ السائد يومئذٍ . وكان يرى مستقبل حكومته بوضوح ، وكان يعلم جيّدا أنّ الأرضيّة غير ممهَّدة للإصلاحات العلويّة، ولإعادة الاُمّة إلى نهج نبيّها صلى الله عليه و آله وسيرته

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 186026
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي