371
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

مُسلِما حُرّا . أقولُ قَولي هذا وأستَغفِرُ اللّهَ لي ولَكُم . ثُمَّ نَزَلَ .
قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : وكانَ هذا أوَّلَ ما أنكَروهُ مِن كلامِهِ عليه السلام ، وأورَثَهُمُ الضِّغنَ عَلَيهِ ، وكَرِهوا إعطاءَهُ وقَسمَهُ بِالسَّوِيَّةِ . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ غَدا وغَدا النّاسُ لِقَبضِ المالِ ، فَقالَ لِعُبَيدِاللّهِ بنِ أبي رافِعٍ كاتِبِهِ : اِبدَأ بِالمُهاجِرينَ فَنادِهِم وأعطِ كُلَّ رَجُلٍ مِمَّن حَضَرَ ثَلاثَةَ دَنانيرَ ، ثُمَّ ثَنِّ بِالأَنصارِ فَافعَل مَعَهُم مِثلَ ذلِكَ ، ومَن يَحضُرُ مِنَ النّاسِ كُلِّهِمُ الأَحمَرِ وَالأَسوَدِ فَاصنَع بِهِ مِثلَ ذلِكَ .
فَقالَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، هذا غُلامي بِالأَمسِ وقَد أعتَقتُهُ اليَومَ ، فَقالَ : نُعطيهِ كَما نُعطيكَ ، فَأَعطى كُلَّ واحِدٍ مِنهُما ثَلاثَةَ دَنانيرَ ، ولَم يُفَضِّل أحَداً عَلى أحَدٍ ، وتَخَلَّفَ عَن هذَا القَسمِ يَومَئِذٍ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ وسَعيدُ بنُ العاصِ ومَروانُ بنُ الحَكَمِ ورِجالٌ مِن قُرَيشٍ وغَيرِها .
قالَ : وسَمِعَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ عَبدَ اللّهِ بنَ الزُّبَيرِ يَقولُ لِأَبيهِ وطَلحَةَ ومَروانَ وسَعيدٍ : ما خَفِيَ عَلَينا أمسِ مِن كَلامِ عَلِيٍّ ما يُريدُ ، فَقالَ سَعيدُ بنُ العاصِ وَالتَفَتَ إلى زَيدِ بنِ ثابِتٍ : إيّاكَ أعني واسمَعي يا جارَة ، فَقالَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ أبي رافِعٍ لِسَعيدٍ وعَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ : إنَّ اللّهَ يَقولُ في كِتابِهِ : «وَ لَـكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـرِهُونَ»۱ .
ثُمَّ إنَّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ أبي رافِعٍ أخبَرَ عَلِيّاً عليه السلام بِذلِكَ فَقالَ : وَاللّهِ ، إن بَقيتُ وسَلِمتُ لَهُم لَاُقيمَنَّهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ وَالطَّريقِ الواضِحِ . قاتَلَ اللّهُ ابنَ العاصِ ، لَقَد عَرَفَ مِن كَلامي ونَظَري إلَيهِ أمسِ أنّي اُريدُهُ وأصحابَهُ مِمَّن هَلَكَ فيمنَ هَلَكَ .
قالَ : فَبَينَا النّاسُ فِي المَسجِدِ بَعدَ الصُّبحِ إذ طَلَعَ الزُّبَيرُ وطَلحَةُ فَجَلَسا ناحِيَةً عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، ثُمَّ طَلَعَ مَروانُ وسَعيدٌ وعَبدُ اللّهِ بنُ الزُّبَيرِ فَجَلَسوا إلَيهِما ، ثُمَّ جاءَ قَومٌ مِن قُرَيشٍ فَانضَمّوا إلَيهِم ، فَتَحَدَّثوا نَجِيّاً ساعَةً ، ثُمَّ قامَ الوَليدُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيط

1.الزخرف : ۷۸ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
370

تَعجَلوا في أمرٍ حَتّى نُبَيِّنَهُ لَكُم ، فَإِنَّ لَنا عَن كُلِّ أمرٍ تُنكِرونَهُ عُذرا .
ألا وإنَّ اللّهَ عالِمٌ مِن فَوقِ سَمائِهِ وعَرشِهِ أنّي كُنتُ كارِها لِلوِلايَةِ عَلى اُمَّةِ مُحَمَّدٍ حَتَّى اجتَمَعَ رَأيُكُم عَلى ذلِكَ ؛ لِأَنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «أيُّما والٍ وَلِيَ الأَمرَ مِن بَعدي اُقيمَ عَلى حَدِّ الصِّراطِ ، ونَشَرَتِ المَلائِكَةُ صَحيفَتَهُ ؛ فَإِن كانَ عادِلاً أنجاهُ اللّهُ بِعَدلِهِ ، وإن كانَ جائِرا اِنتَفَضَ بِهِ الصِّراطُ حَتّى تَتَزايَلَ مَفاصِلُهُ ، ثُمَّ يَهوي إلَى النّارِ ؛ فَيَكونُ أوَّلُ ما يَتَّقيها بِهِ أنفَهُ وحَرَّ وَجهِهِ» ولكِنّي لَمَّا اجتَمَعَ رَأيُكُم لَم يَسَعني تَركُكُم .
ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام يَمينا وشِمالاً فَقالَ :
ألا لا يَقولَنَّ رِجالٌ مِنكُم غَدا قَد غَمَرَتهُمُ الدُّنيا فَاتَّخَذُوا العِقارَ ، وفَجَّرُوا الأَنهارَ ، ورَكَبُوا الخُيولَ الفارِهَةَ ، وَاتَّخَذُوا الوَصائِفَ الرّوقَةَ ۱ فَصارَ ذلِكَ عَلَيهِم عارا وشَنارا ، إذا ما مَنَعتُهُم ما كانوا يَخوضونَ فيهِ وأصَرتُهُم إلى حُقوقِهِمُ الَّتي يَعلَمونَ ، فَيَنقِمونَ ذلِكَ ويَستَنكِرونَ ويَقولونَ : حَرَمَنَا ابنُ أبي طالِبٍ حُقوقَنا .
ألا وأيُّما رَجُلٍ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَرى أنَّ الفَضلَ لَهُ عَلى مَن سِواهُ لِصُحبَتِهِ ، فَإِنَّ الفَضلَ النَّيِّرَ غَدا عِندَ اللّهِ ، وثَوابَهُ وأجرَهُ عَلَى اللّهِ ، وأيُّما رَجُلٍ اِستَجابَ للّهِِ وَلِلرَّسولِ فَصَدَّقَ مِلَّتَنا ودَخَلَ في دينِنا وَاستَقبَلَ قِبلَتَنا ، فَقَدِ استَوجَبَ حُقوقَ الإِسلامِ وحُدودَهُ ، فَأَنتُم عِبادُ اللّهِ ، وَالمالُ مالُ اللّهِ يُقسَمُ بَينَكُم بِالسَّوِيَّةِ ، لا فَضلَ فيهِ لِأَحَدٍ عَلى أحَدٍ ، ولِلمُتَّقينَ عِندَ اللّهِ غَدا أحسَنُ الجَزاءِ وأفضَلُ الثَّوابِ ، لَم يَجعَلِ اللّهُ الدُّنيا لِلمُتَّقينَ أجرا ولا ثَوابا وما عِندَ اللّهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ .
وإذا كانَ غَدا إن شاءَ اللّهُ فَاغدوا عَلَينا فَإِنَّ عِندَنا مالاً نَقسِمُهُ فيكُم ، ولا يَتَخَلَّفَنَّ أحَدٌ مِنكُم عَربِيٌّ ولا عَجَمِيٌّ ، كانَ مِن أهلِ العَطاءِ أو لَم يَكُن إلّا حَضَرَ إذا كان

1.الرّوقة : الجميل جدّا من النّاس (لسان العرب : ج۱۰ ص۱۳۴) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 230779
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي