373
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

فَخَرَجَ عَلِيٌّ عليه السلام فَدَخَلَ المَسجِدَ وصَعِدَ المِنبَرَ مُرتَدِياً بِطاقٍ مُؤتَزِراً بِبُردٍ قَطَرِيٍّ ، مُتَقَلِّداً سَيفاً مُتَوَكِّئاً عَلى قَوسٍ ، فَقالَ :
أمّا بَعدُ ، فَإنّا نَحمَدُ اللّهَ رَبَّنا وإلهَنا ووَلِيَّنا ووَلِيَّ النِّعَمِ عَلَينَا ، الَّذي أصبَحَت نِعَمُهُ عَلَينا ظاهِرَةً وباطِنَةً ، اِمتِناناً مِنهُ بِغَيرِ حَولٍ مِنّا ولا قُوَّةٍ ، لِيَبلُوَنا أنَشكُرُ أم نَكفُرُ فَمَن شَكَرَ زادَهُ ومَن كَفَرَ عَذَّبَهُ ، فَأَفضَلُ النّاسِ عِندَ اللّهِ مَنزِلَةً وأقرَبُهُم مِنَ اللّهِ وَسيلَةً أطوَعُهُم لِأَمرِهِ ، وأعمَلُهُم بِطاعَتِهِ ، وأتبَعُهُم لِسُنَّةِ رَسولِهِ ، وأحياهُم لِكِتابِهِ ، لَيسَ لِأَحَدٍ عِندَنا فَضلٌ إلّا بِطاعَةِ اللّهِ وطاعَةِ الرَّسولِ . هذا كِتابُ اللّهِ بَينَ أظهُرِنا ، وعَهدُ رَسولِ اللّهِ وسيرَتُهُ فينا ، لا يَجهَلُ ذلِكَ إلّا جاهِلٌ عانِدٌ عَنِ الحَقِّ مُنكِرٌ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «يَـأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـكُم مِّن ذَكَرٍ وَ أُنثَى وَ جَعَلْنَـكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَـاكُمْ»۱ .
ثُمَّ صاحَ بِأَعلى صَوتِهِ : أطيعُوا اللّهَ وأطيعُوا الرَّسولَ فَإِن تَوَلَّيتُم فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الكافِرينَ .
ثُمَّ قالَ : يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، أتَمُنّونَ عَلَى اللّهِ ورَسولِهِ بِإِسلامِكُم بَلِ اللّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أن هَداكُم لِلإِيمانِ إن كُنتُم صادِقينَ ۲ .
ثُمَّ قالَ : أنَا أبُو الحَسَنِ ـ وكانَ يَقولُها إذا غَضِبَ ـ ثُمَّ قالَ : ألا إنَّ هذِهِ الدُّنيَا الَّتي أصبَحتُم تَمَنَّونَها وتَرغَبونَ فيها ، وأصبَحَت تُغضِبُكُم وتُرضيكُم ، لَيسَت بِدارِكُم ولا مَنزِلِكُمُ الَّذي خُلِقتُم لَهُ ، فَلا تَغُرَّنَّكُم فَقَد حَذَّرتُكُموها ، وَاستَتِمّوا نِعَمَ اللّهِ عَلَيكُم بِالصَّبرِ لِأَنفُسِكُم عَلى طاعَةِ اللّهِ وَالذُّلِّ لِحُكمِهِ جَلَّ ثَناؤُهُ ، فَأَمّا هذَا الفَيءُ فَلَيسَ لِأَحَدٍ عَلى أحَدٍ فيهِ أثَرَةٌ ، وقَد فَرَغَ اللّهُ مِن قَسمَتِهِ فَهُوَ مالُ اللّهِ ، وأنتُم عِبادُ اللّه

1.الحجرات : ۱۳ .

2.إشارة إلى الآية ۳۲ من سورة آل عمران .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
372

فَجاءَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، إنَّكَ قَد وَتَرتَنا ۱ جَميعاً ، أمّا أنَا فَقَتَلتَ أبي يَومَ بَدرٍ صَبراً ، وخَذَلتَ أخي يَومَ الدّارِ بِالأَمسِ ، وأمّا سَعيدٌ فَقَتَلتَ أباهُ يَومَ بَدرٍ فِي الحَربِ وكانَ ثَورَ قُرَيشٍ ، وأمّا مَروانُ فَسَخَّفتَ أباهُ عِندَ عُثمانَ إذ ضَمَّهُ إلَيهِ ، ونَحنُ إخوَتُكَ ونُظَراؤُكَ مِن بَني عَبدِ مَنافٍ ، ونَحنُ نُبايِعُكَ اليَومَ عَلى أن تَضَعَ عَنّا ما أصَبناهُ مِنَ المالِ في أيّامِ عُثمانَ ، وأن تَقتُلَ قَتَلَتَهُ ، وإنّا إن خِفناكَ تَرَكناكَ فَالتَحَقنا بِالشّامِ .
فَقالَ : أمّا ما ذَكَرتُم مِن وَتري إيّاكُم فَالحَقُّ وَتَرَكُم ، وأمّا وَضعي عَنكُم ما أصَبتُم فَلَيسَ لي أن أضَعَ حَقَّ اللّهِ عَنكُم ولا عَن غَيرِكُم ، وأمّا قَتلي قَتَلَةَ عُثمانَ فَلَو لَزِمَني قَتلُهُمُ اليَومَ لَقَتَلتُهُم أمسِ ، ولكِن لَكُم عَلَيَّ إن خِفتُموني أن اُؤَمِّنَكُم وإن خِفتُكُم أن اُسَيِّرَكُم .
فَقامَ الوَليدُ إلى أصحابِهِ فَحَدَّثَهُم ، وَافتَرَقوا عَلى إظهارِ العَداوَةِ وإشاعَةِ الخِلافِ . فَلَمّا ظَهَرَ ذلِكَ مِن أمرِهِم ، قالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ لِأَصحابِهِ : قوموا بِنا إلى هؤُلاءِ النَّفَرِ مِن إخوانِكُم فَإنَّهُ قَد بَلَغَنا عَنهُم ورَأَينا مِنهُم ما نَكرَهُ مِنَ الخِلافِ وَالطَّعنِ عَلى إمامِهِم ، وقَد دَخَلَ أهلُ الجَفاءِ بَينَهُم وبَينَ الزُّبَيرِ وَالأَعسَرِ العاقِّ ـ يَعني طَلحَةَ ـ .
فَقامَ أبُو الهَيثَمِ وعَمّارٌ وأبو أيّوبَ وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ وجَماعَةٌ مَعَهُم ، فَدَخَلوا عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ انظُر في أمرِكَ وعاتِب قَومَكَ هذَا الحَيَّ مِن قُرَيشٍ ، فَإِنَّهُم قَد نَقَضوا عَهدَكَ وأخلَفوا وَعدَكَ ، وقَد دَعَونا فِي السِّرِّ إلى رَفضِكَ ، هَداكَ اللّهُ لِرُشدِكَ ، وذاكَ لِأَنَّهُم كَرِهُوا الاُسوَةَ وفَقَدُوا الأَثَرَةَ ، ولَمّا آسَيتَ بَينَهُم وبَينَ الأَعاجِمِ أنكَروا وَاستَشاروا عَدُوَّكَ وعَظَّموهُ ، وأظهَرُوا الطَّلَبَ بِدَمِ عُثمانَ فُرقَةً لِلجَماعَةِ وتَأَ لُّفاً لِأَهلِ الضَّلالَةِ ، فَرَأيَكَ !

1.وتَرتَ الرجل : إذا قتلتَ له قتيلاً وأخذت له مالاً (لسان العرب : ج۵ ص۲۷۴) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 230657
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي