قالَ : فَمَا الَّذي كَرِهتُما مِن أمري حَتّى رَأَيتُما خِلافي ؟
قالا : خِلافُكَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ فِي القَسمِ ، إنَّكَ جَعَلتَ حَقَّنا فِي القَسمِ كَحَقِّ غَيرِنا ، وسَوَّيتَ بَينَنا وبَينَ مَن لا يُماثِلُنا فيما أفاءَ اللّهُ تَعالى عَلَينا بِأَسيافِنا ورِماحِنا ، وأوجَفنا عَلَيهِ بِخَيلِنا ورَجِلِنا ، وظَهَرَت عَلَيهِ دَعوَتُنا ، وأخَذناهُ قَسراً قَهراً مِمَّن لا يَرَى الإِسلامَ إلّا كَرهاً .
فَقالَ : فَأَمّا ما ذَكَرتُماهُ مِنَ الاِستِشارَةِ بِكُما ، فَوَاللّهِ ما كانَت لي فِي الوِلايَةِ رَغبَةٌ ، ولكِنَّكُم دَعَوتُموني إلَيها وجَعَلتُموني عَلَيها ، فَخِفتُ أن أرُدَّكُم فَتَختَلِفَ الاُمَّةُ ، فَلَمّا أفضَت إلَيَّ نَظَرتُ في كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ فَأَمضَيتُ ما دَلّاني عَلَيهِ وَاتَّبَعتُهُ ، ولَم أحتَج إلى آرائِكُما فيهِ ولا رَأيِ غَيرِكُما ، ولَو وَقَعَ حُكمٌ لَيسَ في كِتابِ اللّهِ بَيانُهُ ولا فِي السُّنَّةِ بُرهانُهُ ، وَاحتيجَ إلَى المُشاوَرَةِ فيهِ لَشاوَرتُكُما فيهِ .
وأمَّا القَسمُ وَالاُسوَةُ ، فَإِنَّ ذلِكَ أمرٌ لَم أحكُم فيهِ بادِئَ بَدءٍ ، قَد وَجَدتُ أنَا وأنتُما رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَحكُمُ بِذلِكَ ، وكِتابُ اللّهِ ناطِقٌ بِهِ ، وهُوَ الكِتابُ الَّذي لا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ ولا مِن خَلفِهِ تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ .
وأمّا قَولُكُما : جَعَلتَ فَيئَنا وما أفاءَتهُ سُيوفُنا ورِماحُنا سَواءً بَينَنا وبَينَ غَيرِنا ، فَقَديماً سَبَقَ إلَى الإِسلامِ قَومٌ ونَصَروهُ بِسُيوفِهِم ورِماحِهِم فَلَم يُفَضِّلهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي القَسمِ ولا آثَرَهُم بِالسَّبقِ ، وَاللّهُ سُبحانَهُ موفٍ السّابِقَ وَالمُجاهِدَ يَومَ القِيامَةِ أعمالَهُم ، ولَيسَ لَكُما وَاللّهِ عِندي ولا لِغَيرِكُما إلّا هذا ، أخَذَ اللّهُ بِقُلوبِنا وقُلوبِكُم إلَى الحَقِّ وألهَمَنا وإيّاكُمُ الصَّبرَ . ثُمَّ قالَ : رَحِمَ اللّهُ امرَأً رَأى حَقّاً فَأَعانَ عَلَيهِ ، ورَأى جَوراً فَرَدَّهُ ، وكانَ عَوناً لِلحَقِّ عَلى مَن خالَفَهُ .
قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : وقَد رُوِيَ أنَّهُما قالا لَهُ وَقتَ البَيعَةِ : نُبايِعُكَ عَلى