375
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

قالَ : فَمَا الَّذي كَرِهتُما مِن أمري حَتّى رَأَيتُما خِلافي ؟
قالا : خِلافُكَ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ فِي القَسمِ ، إنَّكَ جَعَلتَ حَقَّنا فِي القَسمِ كَحَقِّ غَيرِنا ، وسَوَّيتَ بَينَنا وبَينَ مَن لا يُماثِلُنا فيما أفاءَ اللّهُ تَعالى عَلَينا بِأَسيافِنا ورِماحِنا ، وأوجَفنا عَلَيهِ بِخَيلِنا ورَجِلِنا ، وظَهَرَت عَلَيهِ دَعوَتُنا ، وأخَذناهُ قَسراً قَهراً مِمَّن لا يَرَى الإِسلامَ إلّا كَرهاً .
فَقالَ : فَأَمّا ما ذَكَرتُماهُ مِنَ الاِستِشارَةِ بِكُما ، فَوَاللّهِ ما كانَت لي فِي الوِلايَةِ رَغبَةٌ ، ولكِنَّكُم دَعَوتُموني إلَيها وجَعَلتُموني عَلَيها ، فَخِفتُ أن أرُدَّكُم فَتَختَلِفَ الاُمَّةُ ، فَلَمّا أفضَت إلَيَّ نَظَرتُ في كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ رَسولِهِ فَأَمضَيتُ ما دَلّاني عَلَيهِ وَاتَّبَعتُهُ ، ولَم أحتَج إلى آرائِكُما فيهِ ولا رَأيِ غَيرِكُما ، ولَو وَقَعَ حُكمٌ لَيسَ في كِتابِ اللّهِ بَيانُهُ ولا فِي السُّنَّةِ بُرهانُهُ ، وَاحتيجَ إلَى المُشاوَرَةِ فيهِ لَشاوَرتُكُما فيهِ .
وأمَّا القَسمُ وَالاُسوَةُ ، فَإِنَّ ذلِكَ أمرٌ لَم أحكُم فيهِ بادِئَ بَدءٍ ، قَد وَجَدتُ أنَا وأنتُما رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَحكُمُ بِذلِكَ ، وكِتابُ اللّهِ ناطِقٌ بِهِ ، وهُوَ الكِتابُ الَّذي لا يَأتيهِ الباطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ ولا مِن خَلفِهِ تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ .
وأمّا قَولُكُما : جَعَلتَ فَيئَنا وما أفاءَتهُ سُيوفُنا ورِماحُنا سَواءً بَينَنا وبَينَ غَيرِنا ، فَقَديماً سَبَقَ إلَى الإِسلامِ قَومٌ ونَصَروهُ بِسُيوفِهِم ورِماحِهِم فَلَم يُفَضِّلهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي القَسمِ ولا آثَرَهُم بِالسَّبقِ ، وَاللّهُ سُبحانَهُ موفٍ السّابِقَ وَالمُجاهِدَ يَومَ القِيامَةِ أعمالَهُم ، ولَيسَ لَكُما وَاللّهِ عِندي ولا لِغَيرِكُما إلّا هذا ، أخَذَ اللّهُ بِقُلوبِنا وقُلوبِكُم إلَى الحَقِّ وألهَمَنا وإيّاكُمُ الصَّبرَ . ثُمَّ قالَ : رَحِمَ اللّهُ امرَأً رَأى حَقّاً فَأَعانَ عَلَيهِ ، ورَأى جَوراً فَرَدَّهُ ، وكانَ عَوناً لِلحَقِّ عَلى مَن خالَفَهُ .
قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : وقَد رُوِيَ أنَّهُما قالا لَهُ وَقتَ البَيعَةِ : نُبايِعُكَ عَلى


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
374

المُسلِمونَ ، وهذا كِتابُ اللّهِ بِهِ أقرَرنا ولَهُ أسلَمنا ، وعَهدُ نَبِيِّنا بَينَ أظهُرِنا ، فَمَن لَم يَرضَ بِهِ فَليَتَوَلَّ كَيفَ شاءَ ، فَإِنَّ العامِلَ بِطاعَةِ اللّهِ وَالحاكِمَ بِحُكمِ اللّهِ لا وَحشَةَ عَلَيهِ .
ثُمَّ نَزَلَ عَنِ المِنبَرِ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، ثُمَّ بَعَثَ بِعَمّارِ بنِ ياسِرٍ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ حِسلٍ القُرَشِيِّ إلى طَلحَةَ وَالزُّبَيرِ وهُما في ناحِيَةِ المَسجِدِ ، فَأَتَياهُما فَدَعَواهُما فَقاما حَتّى جَلَسا إلَيهِ عليه السلام .
فَقالَ لَهُما : نَشَدتُكُمَا اللّهَ هَل جِئتُماني طائِعَينِ للبَيعَةِ ، ودَعَوتُماني إلَيها وأنَا كارِهٌ لَها ؟
قالا : نَعَم .
فَقالَ : غَير مُجبَرَينِ ولا مَقسورَينِ ، فَأَسلَمتُما لي بَيعَتَكُما وأعطَيتُماني عَهدَكُما .
قالا : نَعَم .
قالَ : فَما دَعاكُما بَعدُ إلى ما أرى ؟
قالا : أعطَيناكَ بَيعَتَنا عَلى ألّا تَقضِيَ الاُمورَ ولا تَقطَعَها دونَنا ، وأن تَستَشيرَنا في كُلِّ أمرٍ ، ولا تَستَبِدَّ بِذلِكَ عَلَينا ، ولَنا مِنَ الفَضلِ عَلى غَيرنا ما قَد عَلِمتَ ، فَأَنتَ تَقسِمُ القَسمَ وتَقطَعُ الأَمرَ ، وتَمضِي الحُكمَ بِغَيرِ مُشاوَرَتِنا ولا عِلمِنا .
فَقالَ : لَقَد نَقَمتُما يَسيرا ، وأرجَأتُما كَثيرا ، فَاستَغفِرَا اللّهَ يَغفِر لَكُما . أ لا تُخبِرانِني ، أ دَفَعتُكُما عَن حَقٍّ وَجَبَ لَكُما فَظَلَمتُكُما إيّاهُ ؟
قالا : مَعاذَ اللّهِ !
قالَ : فَهَلِ استَأثَرتُ مِن هذَا المالِ لِنَفسي بِشَيءٍ ؟
قالا : مَعاذَ اللّهِ !
قالَ : أ فَوَقَعَ حُكمٌ أو حَقٌّ لِأَحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ فَجَهِلتُهُ أو ضَعُفتُ عَنهُ ؟
قالا : معاذَ اللّهِ !

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 178670
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي