531
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

13 / 2

رِسالَةُ الإِمامِ لِابنِهِ الحَسَنِ في حاضِرَينِ ۱

۲۶۰۳.الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا أقبَلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مِن صِفّينَ كَتَبَ إلَى ابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
مِنَ الوالِدِ الفانِ ، المُقِرِّ لِلزَّمانِ ، المُدبِرِ العُمُرِ ، المُستَسلِمِ لِلدَّهرِ . الذّامِّ لِلدُّنيا ، السّاكِنِ مَساكِنَ المَوتى ، والظّاعِنِ عَنها غَدا .
إلَى المَولودِ المُؤَمِّلِ ما لا يُدرَكُ ، السّالِكِ سَبيلَ مَن قَد هَلَكَ ، غَرَضِ الأَسقامِ ، ورَهينَةِ الأَيّامِ ، ورَمِيَّةِ المَصائِبِ ، وعَبدِ الدُّنيا ، وتاجِرِ الغُرورِ ، وغَريمِ المَنايا ، وأسيرِ المَوتِ ، وحَليفِ الهُمومِ ، وقَرينِ الأَحزانِ ، ونُصُبِ الآفاتِ ، وصَريعِ الشَّهواتِ ، وخَليفَةِ الأَمواتِ .
أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ فيما تَبَيَّنتُ مِن إدبارِ الدُّنيا عَنّي ، وجُموحِ الدَّهرِ عَلَيَّ ، وإقبالِ الآخِرَةِ إلَيَّ ، ما يَزَعُني ۲ عَن ذِكرِ مَن سِوايَ ، وَالاِهتِمامِ بِما وَرائي ، غَيرَ أنّي حَيثُ تَفَرَّدَ بي دونَ هُمومِ النّاسِ هَمُّ نَفسي ، فَصَدَفَني رَأيي ، وصَرَفَني عَن هَوايَ ،

1.جاء في نهج البلاغة أنّ الإمام عليه السلام كتب هذا الكتاب في «حاضرين» ، وهي بالقرب من صفّين في طريقها المؤدّي إلى الكوفة . لكن في كشف المحجّة ـ بعد أن ذكر طرق أهل السنّة في رواية هذه الوصيّة ـ قال : إنّه كتبها في «قِنَّسْرين» . وبما أنّ قنّسرين قرب حلب وليست في طريق صفّين إلى الكوفة بل هي في الطريق المعاكس له تماما ؛ فالظاهر أنّ هذا النقل غير صحيح . وقال ابن أبي الحديد : أمّا قوله : «كتبها إليه بحاضرين» فالذي كنّا نقرؤه قديما : «كتبها إليه بالحاضِرَين» على صيغة التثنية ؛ يعني : حاضر حلب وحاضر قنّسرين ، وهي الأرباض والنواحي المحيطة بهذه البلاد ، ثمّ قرأناه بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام ، ولم يفسّروه . ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية ، ومنهم من يقول : «بخناصرين» ؛ يظنّونه تثنية «خناصرة» ، أو جمعها (شرح نهج البلاغة : ج۱۶ ص۵۲) .

2.وَزَعه يَزَعُه وَزْعا : إذا كَفَّهُ ومَنَعَهُ (النهاية : ج۵ ص۱۸۰) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
530

المَصدَرُ ، فَالهُدى خامِلٌ وَالعَمى شامِلٌ . عُصِيَ الرَّحمنُ ، ونُصِرَ الشَّيطانُ ، وخُذِلَ الإِيمانُ ، فَانهارَت دَعائِمُهُ ، وتَنَكَّرَت مَعالِمُهُ ، ودَرَسَت سُبُلُهُ ، وعَفَت شُرُكُهُ . أطاعُوا الشَّيطانَ فَسَلَكوا مَسالِكَهُ ، ووَرَدوا مَناهِلَهُ ، بِهِم سارَت أعلامُهُ ، وقامَ لِواؤُهُ في فِتَنٍ داسَتهُم بِأَخفافِها ۱ ، ووَطِئَتهُم بِأَظلافِها ۲ ، وقامَت عَلى سَنابِكِها ۳ ، فَهُم فيها تائِهونَ حائِرونَ جاهِلونَ مَفتونونَ في خَيرِ دارٍ وشَرِّ جيرانٍ . نَومُهُم سُهودٌ وكُحلُهُم دُموعٌ ، بِأَرضٍ عالِمُها مُلجَمٌ وجاهِلُها مُكرَمٌ .
[قالَ الشَّريفُ الرَّضِيُّ :] ومِنها يَعني آلَ النَّبِيِّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ :
هُم مَوضِعُ سِرِّهِ ، وَلَجَأُ أمرِهِ ، وعَيبَةُ ۴ عِلمِهِ ، ومَوئِلُ ۵ حُكمِهِ ، وكُهوفُ كُتُبِهِ ، وجِبالُ دينِهِ ، بِهِم أقامَ انحناءَ ظَهرِهِ وأذهَبَ ارتِعادَ فَرائِصِهِ .
[قال الشَّريفُ الرَّضِيُّ : ]ومِنها يَعني قَوما آخَرينَ :
زَرَعُوا الفُجورَ ، وسَقَوهُ الغُرورَ ، وحَصَدُوا الثُّبورَ ۶ . لا يُقاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِن هذِهِ الاُمَّةِ أحَدٌ ، ولا يُسَوّى بِهِم مَن جَرَت نِعمَتُهُم عَلَيهِ أبَدا . هُم أساسُ الدّينِ ، وعِمادُ اليَقينِ . إلَيهِم يَفيءُ الغالي ، وبِهِم يُلحَقُ التّالي . ولَهُم خَصائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ ، وفيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِراثَةُ . الآنَ إذ رَجَعَ الحَقُّ إلى أهلِهِ ، ونُقِلَ إلى مُنتَقَلِهِ ۷ .

1.الخُف : واحد أخْفافِ البعير ، وهو كالقدم للإنسان (لسان العرب : ج۹ ص۸۱) .

2.الظَّلْفُ والظِّلْفُ : ظفُرُ كلِّ ما اجترّ وهو ظِلْف البقرة والشاة والظبي وما أشبهها ، والجمع أظلاف (لسان العرب : ج۹ ص۲۲۹) .

3.السُّنْبُك : طرفُ الحافِرِ وجانباه من قُدُمٍ ، وجمعه سَنابُك (لسان العرب : ج۱۰ ص۴۴۴) .

4.العيبةُ : مستودع الثياب، أو مستودع أفضل الثياب. وعيبة العلم على الاستعارة (مجمع البحرين : ج۲ ص۱۲۹۶) .

5.المَوْئلُ : الموضع الذي يستقرّ فيه السَّيْلُ (لسان العرب : ج۱۱ ص۷۱۶) .

6.الثبور : الهلاك (النهاية : ج۱ ص۲۰۶) .

7.نهج البلاغة : الخطبة ۲ ، بحار الأنوار : ج۱۸ ص۲۱۷ ح۴۹ ؛ مطالب السؤول : ص۵۸ وفيه إلى «وجاهلها مكرم» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 161922
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي