565
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

قائلاً : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتى نموت ؟
فقال عليّ عليه السلام : «اُدنُهْ» ، فَدَنا حَتّى وَضَعَ اُذُنَهُ عِندَ أنفِهِ ، فَقالَ : «وَيحَكَ ! إنَّ عامَّةَ مَن مَعي يَعصيني ، وإنَّ مُعاوِيَةَ فيمَن يُطيعُهُ ولا يَعصيهِ» .
نعم ، فقد كان قرّاء الكوفة ـ الذين كان لهم دور أساسي في جيش الإمام ـ من جملة هذه الشِّرْذِمة ، ونظرا لمكانتهم بين أهل الكوفة ، فقد أصبح لهم الدور الأكبر في صياغة هذا المشهد الأليم ، وكان جهلهم وغرورهم بمثابة الغشاء الذي حال بينهم وبين إدراك الخدعة التي لجأ إليها الشاميّون برفع المصاحف على الرماح لغرض إيقاف الحرب والحيلولة دون هزيمتهم المتوقّعة ، وقد أدّى التطرّف الديني ۱ ـ المقرون بالجهل والحماقة ـ بهؤلاء العبّاد الجهلة إلى إرغام إمامهم على قبول التحكيم .
وممّا دعم الموقف الأحمق للقرّاء في تلك الأثناء وساهم في نجاح مكيدة معاوية لإيقاف الحرب وبثّ الفرقة في جيش الإمام ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ هو موقف اُولئك الذين كانوا يتعاملون مع الإمام تعاملاً منافقا ، ومن كانوا يمنّون أنفسهم بوعود معاوية ، وعلى رأسهم الأشعث بن قيس .
فالأشعث بن قيس من قبيلة كندة التي كانت تقطن جنوب الجزيرة العربيّة ، وقد وفد على الرسول صلى الله عليه و آله مع جماعة من قومه في السنة العاشرة للهجرة ، وأسلم ، ثمّ ارتدّ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله ، فبعث أبو بكر جيشا لقتاله ، واُسر واقتيد مكبّلاً بالأغلال إلى المدينة ، فعفا عنه أبو بكر وزوّجه اُخته ! !
وبعد مقتل عثمان بايع عليّا عليه السلام ، بيد أنّه لم يكن يتعامل معه بإخلاص ؛ فمواقفه إزاء الإمام وخاصّة فيما يتعلّق بالتحكيم ، وبثّ الفرقة بين صفوف جيش الإمام ،

1.راجع : ص ۵۷۱ (دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
564

سورة النساء ، أو مسائل سياسيّة ، كما وقع في معركة صفّين ، أو مسائل اُخرى . وفي كلّ الحالات يجب على الحكمين البتّ في جميع المسائل المختلف عليها بين الفريقين المتنازعين ، وتوفير أجواء المصالحة بينهما .
ومعنى هذا الكلام عدم تخصيص موضوع الحكَميّة في معركة صفّين بمسألة قتلة عثمان ، وإنّما كان يشمل جميع الاُمور المتنازع عليها بين عليّ عليه السلام ومعاوية . وهذا هو السبب الذي جعل الوثيقة خالية من ذكر أيّ موضوع خاصّ ، إلّا أنّ هذا المعنى لم يكن يشمل تعيين الخليفة ، وإنّما كان واجب الحكمين البتّ في تنازع جيش الكوفة والشام ووضع حدّ لحالة الحرب وسفك الدماء . والحقيقة هي أنّ ما اُعلن بوصفه رأيا نهائيّا على أثر الخديعة التي حاكها عمرو بن العاص ، جاء خارج موضوع التحكيم وفوق الصلاحيّات المفوّضة إلى الحَكَمين .

4 ـ سبب انخداع جيش الإمام

والآن نُجيل النظر في أسباب انخداع جيش الإمام عليّ عليه السلام ؛ ولماذا لم يدركوا أو لم يريدوا أن يدركوا بأنّ رفع المصاحف على الرماح لم يكن إلّا مكيدة أراد بها الشاميّون إيقاف القتال ؟ ولماذا لم يُصغوا لكلام إمامهم ، وأرغموه على قبول التحكيم ؟
ينبغي الإجابة عن هذا السؤال بالقول : إنّه وإن كان ثمّة أفراد في جيش الإمام كانوا طوع أمره ، وأرادوا أن تستمرّ المعركة حتّى انتصار جيش الكوفة ، إلّا أنّ الوثائق التاريخيّة تُثبت أنّ الأكثريّة العظمى من جيش الإمام كانت قد سئمت الحرب أوّلاً ، وكانوا يعلمون أنّهم حتى لو انتصروا فلن يحصلوا على أيّة غنائم ـ مثلما حدث في معركة الجمل ـ ثانيا ؛ ومن هنا فهم كانوا يفتقدون الدوافع المحفزة على مواصلة القتال . وعندما عرض عديّ بن حاتم على الإمام عليه السلام مواصلة الحرب

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 194333
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي