583
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

والتفريط ، والتطرّف والتلكّؤ ، قال عليه السلام :
«لا تَرَى الجاهِلَ إلّا مُفرِطا أو مُفَرِّطا» ۱ .
وهكذا نجده في كلام الإمام الباقر عليه السلام إذ عدّه أساس تطرّف الخوارج وموقفهم المفرِط ، فقد قال إسماعيل الجُعفي : سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن الدين الذي لا يسعُ العبادَ جهلُه ؟ فقال :
«الدّينُ واسِعٌ ، ولكِنَّ الخَوارِجَ ضَيَّقوا عَلى أنفُسِهِم مِن جَهلِهِم» ۲ .
وهذه هي النقطة التي أكّدها أمير المؤمنين عليه السلام من قبل عند تحليله النفسي والفكري للخوارج وسبب تطرّفهم ونزعاتهم المفرطة ، فقال :
« . . . ولكِن مُنيتُ بِمَعشَرٍ أخِفّاءِ الهامِ ، سُفَهاءِ الأَحلامِ» ۳ .
وقال في كلام آخر يخاطبهم به :
«وأنتُم ـ وَاللّهِ ـ مَعاشِرُ أخِفّاءُ الهامِ سُفَهاءُ الأَحلامِ» ۴ .
وفي كلام رفيع له عليه السلام كان يهدف منه إيقاظهم ، أوصاهم في سياق توضيح بعض الحقائق أن يرعووا عن لجاجهم وعملهم الذي يسوّله لهم جهلهم ، وأن يتبيّنوا طريق الاعتدال ، وأشار فيه إلى خلقهم وجبلّتهم فقال عليه السلام :
«ثُمَّ أنتُم شِرارُ النّاسِ ، ومَن رَمى بِهِ الشَّيطانُ مَرامِيَهُ ، وضَرَبَ بِهِ تيهَهُ . وسَيهَلِكُ فِيَّ صِنفانِ : مُحِبٌّ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ الحُبُّ إلى غَيرِ الحَقِّ ؛ ومُبغِضٌ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ البُغضُ إلى غَيرِ الحَقِّ . وخَيرُ النّاسِ فِيَّ حالاً النَّمَطُ الأَوسَطُ ؛ فَالزَموهُ» ۵ .

1.نهج البلاغة : الحكمة ۷۰ ، بحار الأنوار : ج۱ ص۱۵۹ ح۳۵ .

2.الكافي : ج۲ ص۴۰۵ ح۶ ، تهذيب الأحكام : ج۲ ص۳۶۸ ح۱۵۲۹ ، كتاب من لايحضره الفقيه : ج۱ ص۲۵۷ ح۷۹۱ .

3.راجع : ج۴ ص۲۷ ح۲۷۱۵ .

4.تاريخ الطبري : ج۵ ص۸۵ .

5.نهج البلاغة : الخطبة ۱۲۷ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۳۷۳ ح۶۰۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
582

جذور التعمّق

لننظر الآن من أين ظَهَر هذا التيّار ، وكيف ؟ ولماذا ظهر إنّ دراسة جذور هذا التيّار ، والوقوف على بواعث انحراف أصحابه يعتبران من أهمّ موضوعاته وتتجلّى أهميّة هذه الدراسة بملاحظة إخبار النبيّ صلى الله عليه و آله والإمام عليّ عليه السلام باستمرار هذا التيّار عبر التاريخ الإسلامي ، وأنّ مقارعة التطرّف والإفراط ، واليقظة والحذر منهما حاجة لازمة للاُمّة الإسلاميّة .
قال النبيّ صلى الله عليه و آله في استمرار هذا التيّار الفكري :
«كُلَّما قُطِعَ مِنهُم قَرنٌ نَشَأَ قَرنٌ ثُمَّ يَخرُجُ في بَقِيَّتِهِمُ الدَّجّالُ» . ۱
وعندما اُبيد الخوارج في النهروان وقيل للإمام عليه السلام : هلك القوم بأجمعهم ، قال عليه السلام :
«كَلّا وَاللّهِ ، إنَّهُم نُطَفٌ في أصلابِ الرِّجالِ وقَراراتِ النِّساءِ ؛ كُلَّما نَجَمَ مِنهُم قَرنٌ قُطِعَ ، حَتّى يَكونَ آخِرُهُم لُصوصا سَلّابينَ» . ۲
من هنا ، ينبغي التوفّر قبل كلّ شيء على دراسة نفسيّات المارقين ، والتنقيب عن جذور «التعمّق» ، واستقصاء ممهّدات هذا التطرّف ، لعلّ في ذلك عبرة لمعتبر في عصرنا هذا وجميع الأعصار .

1 ـ الجهل

لا مناصَ من عدّ الجهل أوّل عامل في دراسة جذور «التعمّق» وقد نصّت الأحاديث والروايات على هذه النقطة ؛ فإنّنا نلحظ عليّا عليه السلام ينظر إلى الجهل مصدرا للإفراط

1.مسند الطيالسي : ص۳۰۳ ، كنزالعمّال : ج۱۱ ص۳۱۶ ح۳۱۶۰۹ .

2.راجع : ج۴ ص۳۸ ح۲۷۳۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 192179
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي