589
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

عَشواءَ ، يَقودُهُ أوَّلُ باطِلٍ إلى أبعَدِ غاياتِ الخَسارَةِ ، ويُمِدُّهُ رَبُّهُ بَعدَ طَلَبِهِ لِما لا يَقدِرُ عَلَيهِ في طُغيانِهِ ، فَهُو يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللّهُ ، ويُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللّهُ ، لا يُبالي ما فاتَ مِن دينِهِ إذا سَلِمَت لَهُ رِئاسَتُهُ الَّتي قَد شَقِيَ مِن أجلِها ، فَاُولئِكَ الَّذينَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيهِم ولَعَنَهُم وأعَدَّ لَهُم عَذابا مُهينا .
ولكِنَّ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ نِعمَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذي جَعَلَ هَواهُ تَبَعا لِأَمرِ اللّهِ ، وقُواهُ مَبذولَةً في رِضَى اللّهِ ، يَرَى الذُّلَّ مَعَ الحَقِّ أقرَبَ إلى عِزِّ الأَبَدِ مِنَ العِزِّ فِي الباطِلِ ، ويَعلَمُ أنَّ قَليلَ ما يَحتَمِلُهُ مِن ضَرّائِها يُؤَدّيهِ إلى دَوامِ النَّعيمِ في دارٍ لا تَبيدُ ولا تَنفَدُ ، وأنَّ كَثيرَ ما يَلحَقُهُ مِن سَرّائِها إنِ اتَّبَعَ هَواهُ يُؤَدّيهِ إلى عَذابٍ لَا انقِطاعَ لَهُ ولا زَوالَ ، فَذلِكُمُ الرَّجُلُ نِعمَ الرَّجُلُ ، فَبِهِ فَتَمَسَّكوا ، وبِسُنَّتِهِ فَاقتَدوا ، وإلى رَبِّكُم بِهِ فَتَوَسَّلوا ؛ فَإِنَّهُ لا تُرَدُّ لَهُ دَعوَةٌ ، ولا تُخَيَّبُ لَهُ طَلِبَةٌ» ۱ .

1.الاحتجاج : ج۲ ص۱۵۹ ح۱۹۲ ، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : ص۵۳ ح۲۷ كلاهما عن الإمام الرضا عليه السلام ، تنبيه الخواطر : ج۲ ص۹۹ ، بحار الأنوار : ج۲ ص۸۴ ح۱۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
588

بحرقة وألم ، فقال لهم :
«يا أصحابَ الجِباهِ السُّودِ ! كُنّا نَظُنُّ صَلَواتِكُم زَهادَةً فِي الدُّنيا ، وشَوقا إلى لِقاءِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ ، فَلا أرى فِرارَكُم إلّا إلَى الدُّنيا مِنَ المَوتِ ، ألا قُبحاً يا أشباهَ النِّيبِ الجَلّالَةِ» ۱ .
وهذا اللون من طلب الدنيا وضروب حبّها والركون إليها ورد أيضا في كلام تربويّ للإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليه السلام يبعث على التذكير والتنبيه ، فلنقرأه معاً :
«إذا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ قَد حَسُنَ سَمتُهُ وهَديُهُ ، وتَماوَتَ في مَنطِقِهِ ، وتَخاضَعَ في حَرَكاتِهِ ، فَرُوَيدا لا يَغُرَّنَّكُم ؛ فَما أكثَرَ مَن يُعجِزُهُ تَناوُلُ الدُّنيا ورُكوبُ المَحارِمِ مِنها لِضَعفِ نِيَّتِهِ ، ومَهانَتِهِ ، وجُبنِ قَلبِهِ ؛ فَنَصَبَ الدّينَ فَخّا لَها ، فَهُو لا يَزالُ يَختِلُ النّاسَ بِظاهِرِهِ ؛ فَإِن تَمَكَّنَ مِن حَرامٍ اقتَحَمَهُ . وإذا وَجَدتُموهُ يَعِفُّ عَنِ المالِ الحَرامِ فَرُوَيدا لا يَغُرَّنَّكُم ؛ فَإِنَّ شَهَواتِ الخَلقِ مُختَلِفَةٌ ؛ فَما أكثَرَ مَن يَنبو عَنِ المالِ الحَرامِ وإن كَثُرَ ، ويَحمِلُ نَفسَهُ عَلى شَوهاءَ قَبيحَةٍ فَيأتي مِنها مُحَرَّما ، فَإِذا وَجَدتُموهُ يَعِفُّ عَن ذلِكَ فَرُوَيدا لا يَغُرَّكُم حَتّى تَنظُروا ما عَقَدَهُ عَقلُهُ ، فَما أكثَرَ مَن تَرَكَ ذلِكَ أجمَعَ ، ثُمَّ لا يَرجِعُ إلى عَقلٍ مَتينٍ ، فَيَكونُ ما يُفسِدُهُ بِجَهلِهِ أكثَرَ مِمّا يُصلِحُهُ بِعَقلِهِ ، فَإِذا وَجَدتُم عَقلَهُ مَتينا ، فَرُوَيدا لا يَغُرَّكُم حَتّى تَنظُروا : أ مَع هَواهُ يَكونُ عَلى عَقلِهِ ، أو يَكونُ مَعَ عَقلِهِ عَلى هَواهُ ؟ وكَيفَ مَحَبَّتُهُ لِلرِّئاساتِ الباطِلَةِ وزُهدُهُ فيها ؟ فَإِنَّ فِي النّاسِ مَن خَسِرَ الدُّنيا وَالآخِرَةَ يَترُكُ الدُّنيا لِلدُّنيا ، ويَرى أنَّ لَذَّةَ الرِّئاسَةِ الباطِلَةِ أفضَلُ مِن لَذَّةِ الأَموالِ وَالنِّعَمِ المُباحَةِ المُحَلَّلَةِ ، فَيَترُكُ ذلِكَ أجمَعَ طَلَبا لِلرِّئاسَةِ الباطِلَةِ ، حَتّى إذا قيلَ لَهُ : اِتَّقِ اللّهَ ، أخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ ، فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ ، ولَبِئسَ المِهادُ ؛ فَهُو يَخبِطُ خَبط

1.تاريخ الطبري : ج۵ ص۵۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۷ ؛ وقعة صفّين : ص۴۹۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 161945
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي