591
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

نلحظ هنا أنّ الإمام عليه السلام بكلماته هذه يذكّر بمشكلة حكومته في الحقيقة ، وأنّه يلفتنا إلى أنّ حكومته قد تلقّت ضربتين قاصمتين من شريحتن ، وأنّ عمودها الفقري قد اُصيب وتضعضع بذلك ، وهاتان الشريحتان هما :
1 ـ العلماء المتهتّكون ؛ وهم الوجوه البارزة الذين أوقدوا فتنة الجمل وصفّين (الناكثون والقاسطون) ومهّدوا سبل الفساد ، وقسطوا ونكثوا عامِدين .
2 ـ الجهّال العابدون الذين واجهوا الإمام عليه السلام في النهروان بسيماء الزاهدين وباسم الدين منطلقين من جهلهم وحمقهم .
وهكذا ، فلا قيمة لعبادات الجاهل المتنسّك ، ولا وزن لتهجّداته ، ولا خلاقَ له منها . وليس هذا فحسب ، بل إنّهم يشكّلون خطرا عظيما على الإسلام والحكومة الإسلاميّة ، وبعبارة اُخرى : مَثَلُ العالم المتهتّك في خطره على النظام الإسلامي كمثل الجاهل المتنسّك في خطره على الاُمّة الإسلاميّة والنظام الإسلامي أيضا .
ولا غرْو أن تُختم حياة الإمام عليه السلام على يد هذه الشريحة الثانية ، فدلّ واقع التاريخ على أنّ خطر العبّاد الجاهلين أشدّ وأنكى .
فاستبان ـ إذن ـ أنّ أمرّ ثمرةٍ وأضرّها لشجرة «التعمّق» الخبيثة ـ الضاربة جذورها في الجهل وحبّ الدنيا والمرتدية لباس الدين ـ هو تقويض أركان النظام الإسلامي . والآن نعرّج على أغصان هذه الشجرة بشيء من التوضيح :

1 ـ العُجب

العُجُب ، والزهو ، والتعظّم ، كلّ ذلك يمثّل أوّل غصن للتعمّق ، والتطرّف ، والتنسّك الجاهل . وقد مُني القرّاء بهذه الأدواء الوبيلة ؛ لإفراطهم في تعبّدهم وتنسّكهم ، ونظرهم إلى هذا المرض على أنّه قيمة مهمّة . وزعموا ـ بفعل هذا المرض ـ أنْ ليس في الناس من هو أفضل منهم . ومن هنا سأل رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أحدهم بغية كشف باطنه


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
590

آثار التعمّق

من المناسب أن نتحدّث عن آثار «التعمّق» بعد أن تعرّفنا على طبيعته وجذوره ؛ فإنّا نلحظ أنّ الأحاديث التي أحصت أخطار الجاهل «المتنسّك» هي في الحقيقة قد صوّرت آثار «التعمّق» الضارّة . ونقرأ في هذه الأحاديث : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخبر بهلاك اُمّته على يد العلماء الفجّار ، والعبّاد الجهّال . وقد تجسّد هذا الخبر في أيّام حكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام واتّخذ شكله يومئذٍ ، قال عليه السلام :
«قَصَمَ ظَهري عالِمٌ مُتَهَتِّكٌ ، وجاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ» ۱ .
وقال : «قَطَعَ ظَهرِي اثنانِ : عالِمٌ فاسِقٌ . . . وجاهِلٌ ناسِكٌ» ۲
وقال في خطبة له عليه السلام :
«قَطَعَ ظَهري رَجُلانِ مِنَ الدُّنيا : رَجُلٌ عَليمُ اللِّسانِ فاسِقٌ ، ورَجُلٌ جاهِلُ القَلبِ ناسِكٌ ؛ هذا يَصُدُّ بِلِسانِهِ عَن فِسقِهِ ، وهذا بِنُسُكِهِ عَن جَهلِهِ ؛ فَاتَّقُوا الفاسِقَ مِنَ العُلَماءِ ، وَالجاهِلَ مِنَ المُتَعَبِّدينَ ، اُولئِكَ فِتنَةُ كُلِّ مَفتونٍ» ۳ .

1.منية المريد : ص۱۸۱ ، غرر الحكم : ح۹۶۶۵ .

2.تنبيه الخواطر : ج۱ ص۸۲ .

3.الخصال : ص۶۹ ح۱۰۳ ، مشكاة الأنوار : ص۲۳۸ ح۶۸۷ ، روضة الواعظين : ص۱۰ ، بحار الأنوار : ج۲ ص۱۰۶ ح۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 161817
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي