103
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

وإقامَةِ مَا استَقامَ بِهِ النّاسُ مِن قَبلِكَ ؛ «فَإِنَّ ذلِكَ يُحِقُّ الحَقَّ ، ويَدفَعُ الباطِلَ ، ويُكتَفى بِهِ دَليلاً ومِثالاً لِأَنَّ السُّنَنَ الصّالِحَةَ هِيَ السَّبيلُ إلى طاعَةِ اللّهِ» .
ثُمَّ اعلَم أنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقاتٌ ، لا يَصلُحُ بَعضُها إلّا بِبَعضٍ ، ولا غِنى بِبَعضِها عَن بَعضٍ ؛ فَمِنها جُنودُ اللّهِ ، ومِنها كُتّابُ العامَّةِ وَالخاصَّةِ ، ومِنها قُضاةُ العَدلِ ، ومِنها عُمّالُ الإِنصافِ وَالرِّفقِ ، ومِنها أهلُ الجِزيَةِ وَالخَراجِ مِن أهلِ الذِّمَّةِ ومُسلِمَةِ النّاسِ ، ومِنهَا التُّجّارُ وأهلُ الصِّناعاتِ ، ومِنهَا الطَّبَقَةُ ۱ السُّفلى مِن ذَوِي الحاجَةِ وَالمَسكَنَةِ ، وكُلٌّ قَد سَمَّى اللّهُ سَهمَهُ ، ووَضَعَ عَلى حَدِّ فَريضَتِهِ في كِتابِهِ أو سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَهداً عِندَنا مَحفوظاً .
فَالجُنودُ ـ بِإِذنِ اللّهِ ـ حُصونُ الرَّعِيَّةِ ، وزَينُ الوُلاةِ ، وعِزُّ الدّينِ ، وسَبيلُ الأَمنِ وَالخَفضِ ، ولَيسَ تَقومُ الرَّعِيَّةُ إلّا بِهِم . ثُمَّ لا قِوامَ لِلجُنودِ إلّا بِما يُخرِجُ اللّهُ لَهُم مِنَ الخَراجِ الَّذي يَصِلونَ بِهِ إلى جِهادِ عَدُوِّهِم ، ويَعتَمِدونَ عَلَيهِ ، ويَكونُ مِن وَراءِ حاجاتِهِم .
ثُمَّ لا بَقاءَ لِهذَينِ الصِّنفَينِ إلّا بِالصِّنفِ الثّالِثِ مِنَ القُضاةِ وَالعُمّالِ وَالكُتّابِ ؛ لِما يُحكِمونَ مِنَ الأُمورِ ، ويُظهِرونَ مِنَ الإِنصافِ ، ويَجمَعونَ مِنَ المَنافِعِ ، ويُؤمَنونَ عَلَيهِ مِن خَواصِّ الاُمورِ وعَوامِّها .
ولا قِوامَ لَهُم جَميعاً إلّا بِالتُّجّارِ وذَوِي الصِّناعاتِ فيما يَجمَعونَ مِن مَرافِقِهِم ، ويُقيمونَ مِن أسواقِهِم ، ويَكفونَهُم مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيديهِم مِمّا لا يَبلُغُهُ رِفقُ غَيرِهِم .
ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفلى مِن أهلِ الحاجَةِ وَالمَسكَنَةِ الَّذينَ يَحِقُّ رِفدُهُم ۲ ، وفي فَيءِ اللّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ ، ولِكُلٍّ عَلَى الوالي حَقٌّ بِقَدرٍ يُصلِحُهُ ، ولَيسَ يَخرُجُ الوالي مِن حَقيقَةِ ما

1.في المصدر : «طبقة» ، والصحيح ما أثبتناه كما في نهج البلاغة .

2.الرِّفد : العطاء والصِّلة (لسان العرب : ج۳ ص۱۸۱) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
102

وَالمُعاهِدينَ» ؛ فَاتَّخِذ اُولئِكَ خاصَّةً لِخَلَوتِكَ ومَلَاءِكَ .
ثُمَّ ليَكُن آثَرُهُم عِندَكَ أقوَلَهُم بِمُرِّ الحَقِّ ، «وأحوَطَهُم عَلَى الضُّعَفاءِ بِالإِنصافِ ، وأقَلَّهُم لَكَ مُناظَرَةً فيما يَكونُ مِنكَ مِمّا كَرِهَ اللّهُ لِأَولِيائِهِ واقِعاً ذلِكَ مِن هَواكَ حَيثُ وَقَعَ ؛ فَإِنَّهُم يَقِفونَكَ عَلَى الحَقِّ ، ويُبَصِّرونَكَ ما يَعودُ عَلَيكَ نَفعُهُ» . وَالصَق بِأهلِ الوَرَعِ وَالصِّدقِ وذَوِي العُقولِ وَالأَحسابِ ، ثُمَّ رُضهُم عَلى ألّا يُطروكَ ، ولا يُبَجِّحوكَ بِباطلٍ لَم تَفعَلهُ ؛ فَإِن كَثرَةَ الإِطراءِ تُحدِثُ الزَّهوَ ، وتُدني مِنَ الغِرَّةِ ، «واَلإِقرارُ بِذلِكَ يوجِبُ المَقتَ مِنَ اللّهِ» .
لا يَكونَنَّ المحُسِنُ وَالمُسيءُ عِندَكَ بِمَنزِلَةٍ سَواءٍ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ تَزهيدٌ لِأَهلِ الإِحسانِ ، فِي الإِحسانِ ، وتَدريبٌ لِأَهلِ الإِساءَةِ عَلَى الإِساءَةِ ، فَأَلزِم كُلّاً مِنهُم ما ألزَمَ نَفسَهُ ؛ أدَباً مِنكَ يَنفَعُكَ اللّهُ بِهِ ، وتَنفَعُ بِهِ أعوانَكَ .
ثُمَّ اعلَم أنَّهُ لَيسَ شَيءٌ بِأَدعى لِحُسنِ ظَنِّ والٍ بِرَعِيَّتِهِ مِن إحسانِهِ إلَيهِم ، وتَخفيفِهِ المَؤوناتِ عِلَيهِم ، وقِلَّةِ استِكراهِهِ إيّاهُم عَلى ما لَيسَ لَهُ قِبَلَهُم ، فَليَكُن في ذلِكَ أمرٌ يَجتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسنُ ظَنِّكَ بِرَعِيَّتِكَ ؛ فَإِنَّ حُسنَ الظَّنِّ يَقطَعُ عَنكَ نَصَباً طَويلاً ، وإنَّ أحَقَّ مَن حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن حَسُنَ بِلاؤُكَ عِندَهُ ، وأحَقَّ مَن ساءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن ساءَ بِلاؤُكَ عِندَهُ ، «فَاعرِف هذِهِ المَنزِلَةَ لَكَ وعَلَيكَ لِتَزِدَكَ بَصيرَةً في حُسنِ الصُّنعِ ، وَاستِكثارِ حُسنِ البَلاءِ عِندَ العامَّةِ ، مَعَ ما يوجِبُ اللّهُ بِها لَكَ فِي المَعادِ» .
ولا تَنقُض سُنَّةً صالِحَةً عَمِلَ بِها صُدورُ هذِهِ الاُمَّةِ ، وَاجتَمَعَت بِهَا الاُلفَةُ ، وصَلَحَت عَلَيهَا الرَّعِيَّةُ . ولا تُحدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِمّا مَضى مِن تِلكَ السُّنَنِ ؛ فَيَكونَ الأَجرُ لِمَن سَنَّها ، وَالوِزرُ عَلَيكَ بِما نَقَضتَ مِنها .
وأكثِر مُدارَسَةَ العُلَماءِ ، ومُثافَنَةَ ۱ الحُكَماءِ ، في تَثبيتِ ما صَلَحَ عَلَيهِ أهلُ بِلادِكَ ،

1.المُثافِن : المواظِب ، ويقال : ثافَنتُ فلاناً إذا حابَبته تحادِثُه وتلازِمه وتكَلّمه (لسان العرب : ج۱۳ ص۷۹) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 218075
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي