عُيونِكَ اكتَفَيتَ بِذلِكَ شاهِداً ، فَبَسَطتَ عَلَيهِ العُقوبَةَ في بَدَنِهِ ، وأخَذتَهُ بِما أصابَ مِن عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبتَهُ بِمَقامِ المَذَلَّةِ فَوَسَمتَهُ بِالخِيانَةِ ، وقَلَّدتَهُ عارَ التُّهَمَةِ .
وتَفَقَّد ما يُصلِحُ أهلَ الخَراجِ ؛ فَإِنَّ في صَلاحِهِ وصَلاحِهِم صَلاحاً لِمَن سِواهُم ، ولا صَلاحَ لِمَن سِواهُم إلّا بِهِم ؛ لِأَنَّ النّاسَ كُلَّهُم عِيالٌ عَلَى الخَراجِ وأهلِهِ . فَليَكُن نَظَرُكَ في عِمارَةِ الأَرضِ أبلَغَ مِن نَظَرِكَ فِي استِجلابِ الخَراجِ ؛ فَإِنَّ الجَلبَ لا يُدرَكُ إلّا بِالعِمارَةِ ، ومَن طَلَبَ الخَراجَ بِغَيرِ عِمارَةٍ أخرَبَ البِلادَ ، وأهلَكَ العِبادَ ، ولَم يَستَقِم لَهُ أمرُهُ إلّا قَليلاً .
«فَاجمَع إلَيكَ أهلَ الخَراجِ مِن كُلِّ بُلدانِكَ ، ومُرهُم فَليُعلِموكَ حالَ بِلادِهِم وما فيهِ صَلاحُهُم ورَخاءَ جِبايَتِهِم ، ثُمَّ سَل عَمّا يَرفَعُ إلَيكَ أهلُ العِلمِ بِهِ مِن غَيرِهِم» ؛ فَإِن كانوا شَكَوا ثِقَلاً أو عِلَّةً مِنِ انقِطاعِ شِربٍ أو إحالَةِ أرضٍ اغتَمَرَها غَرَقٌ أو أجحَفَ بِهِمُ العَطَشُ أو آفَةً خَفَّفتَ عَنهُم ما تَرجو أن يُصلِحَ اللّهُ بِهِ أمرَهُم ، «وإن سَأَلوا مَعونَةً عَلى إصلاحِ ما يَقدِرونَ عَلَيهِ بأموالِهِم فَاكفِهِم مَؤونَتَهُ ؛ فَإِنَّ في عاقِبَةِ كِفايَتِكَ إيّاهُم صَلاحاً ، فَلا يَثقُلَنَّ عَلَيكَ شَيءٌ خَفَّفتَ بِهِ عَنهُمُ المَؤوناتِ» ؛ فَإِنَّهُ ذُخرٌ يَعودونَ بِهِ عَلَيكَ لِعِمارَةِ بِلادِكَ ، وتَزيينِ وِلايَتِكَ ، «مَعَ اقتِنائِكَ مَوَدَّتَهُم وحُسنَ نِيّاتِهِم ، وَاستِفاضَةِ الخَيرِ ، وما يُسَهِّلُ اللّهُ بِهِ مِن جَلبِهِم ، فَإِنَّ الخَراجَ لا يُستَخرَجُ بِالكَدِّ والإتعابِ ، مَعَ أنَّها عُقَدٌ ۱ تَعتَمِدُ عَلَيها إن حَدَثَ حَدَثٌ كُنتَ عَلَيهِم مُعتَمِداً» ؛ لِفَضلِ قُوَّتِهِم بِما ذَخَرتَ عَنهُم مِنَ الجَمامِ ۲ ، وَالثِّقَةِ مِنهُم بِما عَوَّدتَهُم مِن عَدلِكَ ورِفقِكَ ، ومَعرِفَتِهِم بِعُذرِكَ فيما حَدَثَ مِنَ الأَمرِ الَّذِي اتَّكَلتَ بِهِ عَلَيهِم ، فَاحتَمَلوهُ بِطيبِ أنفُسِهِم ، فَإِنَّ العُمرانَ مُحتَمِلٌ ما حَمَّلتَهُ ، وإنَّما يُؤتى خَرابُ الأَرضِ لِاءِعوازِ أهلِها ،