111
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

أثَراً وأعرَفِهِم فيها بِالنَّبلِ وَالأَمانَةِ ، فَإِنَّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى نَصيحَتِكَ للّهِِ ولِمَن وُلّيتَ أمرَهُ . «ثُمَّ مُرهُم بِحُسنِ الوِلايَةِ ، ولينِ الكَلِمَةِ» . وَاجعَل لِرَأسِ كُلِّ أمرٍ مِن اُمورِك رَأساً مِنهُم ، لا يَقهَرُهُ كَبيرُها ، ولا يَتَشَتَّتُ عَلَيهِ كَثيرُها .
«ثُمَّ تَفَقَّد ما غابَ عَنكَ مِن حالاتِهِم ، واُمورِ مَن يَرِدُ عَلَيكَ رُسُلُهُ ، وذَوِي الحاجَةِ وكَيفِ وِلايَتِهِم وقَبولِهِم وَلِيَّهُم وحُجَّتَهُم ؛ فَإِنَّ التَّبَرُّمَ وَالعِزَّ وَالنَّخوَةَ مِن كَثيرٍ مِنَ الكُتّابِ إلّا مَن عَصَمَ اللّهُ ، ولَيسَ لِلنّاسِ بُدٌّ مِن طَلَبِ حاجاتِهِم» . ومَهما كانَ في كُتّابِكَ مِن عَيبٍ فَتَغابَيتَ عَنهُ اُلزِمتَهُ ، أو فَضلٍ نُسِبَ إلَيكَ ، مَعَ مالَكَ عِندَ اللّهِ في ذلِكَ مِن حُسنِ الثَّوابِ .
ثُمَّ التُّجّارُوذَوِي الصِّناعاتِ فَاستَوصِ وأوصِ بِهِم خَيراً ؛ المُقيمِ مِنهُم ، وَالمُضطَرِبِ ۱ بِمالِهِ ، وَالمُتَرَفِّقِ بِيَدِهِ ؛ فَإِنَّهُم مَوادٌّ لِلمَنافِعِ ، وجُلّابُها فِي البِلادِ في بَرِّكَ وبَحرِكَ وسَهلِكَ وجَبَلِكَ ، وحَيثُ لا يَلتَئِمُ النّاسُ لِمَواضِعِها ولا يَجتَرِئونَ عَلَيها «مِن بِلادِ أعدائِكَ مِن أهلِ الصِّناعاتِ الَّتي أجرَى اللّهُ الرِّفقَ مِنها عَلى أيديهِم فَاحفَظ حُرمَتَهُم ، وآمِن سُبُلَهُم ، وخُذ لَهُم بِحُقوقِهِم» ؛ فَإِنَّهُم سِلمٌ لا تُخافُ بائِقَتُهُ ، وصُلحٌ لا تُحذَرُ غائِلَتُهُ ، «أحبُّ الاُمورِ إلَيهِم أجمَعُها لِلأَمنِ وأجمَعُها لِلسُّلطانِ» ، فَتَفَقَّد اُمورَهُم بِحَضرَتِكَ ، وفي حَواشي بِلادِكَ .
وَاعلَم مَعَ ذلِكَ أنَّ في كَثيرٍ مِنهُم ضيقاً فاحِشاً ، وشُحّاً قَبيحاً ، وَاحتِكاراً لِلمَنافِعِ ، وتَحَكُّماً فِي البِياعاتِ ، وذلِكَ بابُ مَضَرَّةٍ لِلعامَّةِ ، وعَيبٌ عَلَى الوُلاةِ ؛ فَامنَع الاِحتِكارَ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله نَهى عَنهُ .
وَليَكُنِ البَيعُ وَالشِّراءُ بَيعاً سَمِحاً ، بِمَوازينِ عَدلٍ ، وأسعارٍ لا تُجحِفُ بِالفَريقَينِ مِنَ البائِعِ وَالمُبتاعِ ، فَمَن قارَفَ حُكرَةً بَعدَ نَهيِكَ فَنَكِّل وعاقِب في غَيرِ إسرافٍ ؛ «فَإِن

1.المضطرب بماله : المتردّد به بين البلدان .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
110

وإنَّما يُعوِزُ أهلُها لِاءِسرافِ الوُلاةِ وسوءِ ظَنِّهِم بِالبَقاءِ وقِلَّةِ انتِفاعِهِم بِالعِبَرِ .
«فَاعمَل فيما وُلّيتَ عَمَلَ مَن يُحِبُّ أن يَدَّخِرَ حُسنَ الثَّناءِ مِنَ الرَّعِيَّةِ ، وَالمَثوبَةِ مِنَ اللّهِ ، وَالرِّضا مِنَ الإِمامِ . ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» .
ثُمَّ انظُر في حالِ كُتّابِكَ «فَاعرِف حالَ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم فيما يَحتاجُ إلَيهِ مِنهُم ، فَاجعَل لَهُم مَنازِلَ ورُتَباً» ، فَوَلِّ عَلى اُمورِكَ خَيرَهُم ، وَاخصُص رَسائِلَكَ الَّتي تُدخِلُ فيها مَكيدَتَكَ وأسرارَكَ بِأَجمَعِهِم لِوُجوهِ صالِحِ الأَدَبِ ، «مِمَّن يَصلُحُ لِلمُناظَرَةِ في جَلائِلِ الاُمورِ ، مِن ذَويِ الرَّأيِ وَالنَّصيحَةِ وَالذِّهنِ ، أطواهُم عَنكَ لِمَكنونِ الأَسرارِ كَشحاً» ، مِمَّن لا تُبطِرُهُ الكَرامَةُ ، «ولا تَمحَقُ بِهِ الدّالَّةُ ۱ » فَيَجتَرِئَ بِها عَلَيكَ في خَلاءٍ ، أو يَلتَمِسَ إظهارَها في مَلاءٍ ، ولا تقصُرُ بِهِ الغَفلَةُ عَن إيرادِ كُتُبِ الأَطرافِ عَلَيكَ ، وإصدارِ جَواباتِكَ عَلَى الصَّواب عَنكَ ، وفيما يَأخُذُ ويُعطي مِنكَ ، ولا يُضعِفُ عَقداً اعتَقَدَهُ لَكَ ، ولا يَعجِزُ عَن إطلاقِ ما عُقِدَ عَلَيكَ ، ولا يَجهَلُ مَبلَغَ قَدرِ نَفسِهِ فِي الاُمورِ ؛ فَإِنَّ الجاهِلَ بِقَدرِ نَفسِهِ يَكونُ بِقَدرِ غَيرِهِ أجهَلَ .
«ووَلِّ ما دونَ ذلِكَ مِن رَسائِلِكَ وجَماعاتِ كُتُبِ خَرجِكَ ودَواوينِ جُنودِكَ قَوماً تَجتَهِدُ نَفسَكَ فِي اختِيارِهِم ؛ فَإِنَّها رُؤوسُ أمرِكَ ، أجمَعُها لِنَفعِكَ ، وأعَمُّها لِنَفعِ رَعِيَّتِكَ» .
ثُمَّ لا يَكُنِ اختِيارُكَ إيّاهُم عَلى فِراسَتِكَ وَاستِنامَتِكَ ۲ وحُسنِ الظَّنِّ بِهِم ، فَإِنَّ الرِّجالَ يَعرِفونَ فِراساتِ الوُلاةِ بِتَصَنُّعِهِم وخِدمَتِهِم ولَيسَ وَراءَ ذلِكَ مِنَ النَّصيحَةِ وَالأَمانَةِ ، ولكِنِ اختَبِرهُم بِما وُلّوا لِلصّالِحينَ قَبلَكَ ، فَاعمِد لِأَحسَنِهِم كانَ فِي العامَّة

1.أدَلّ عليه : وثق بمحبّته فأفرط عليه ، والاسم الدالّة (لسان العرب : ج۱۱ ص۲۴۷) .

2.استَنامَ إلى الشيء : استَأنَس به ، واستنامَ فلان إلى فلان : إذا أنِسَ به واطمأنّ إليه وسكنَ (لسان العرب : ج۱۲ ص۵۹۸) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 206954
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي