145
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

ألا إنَّ القَومَ قَدِ اجتَمَعوا وتَناشَبوا وتَناصَحوا وأنتُم قَد وَنَيتُم وتَغاشَشتُم وَافتَرَقتُم ، ما أنتُم إن أتمَمتُم عِندي عَلى ذي سَعداءَ ، فَأَنبَهوا نائِمَكُم وَاجتَمَعوا عَلى حَقِّكُم ، وتَجَرَّدوا لِحَربِ عَدُوِّكُم ، قَد بَدَتِ الرُّغوَةُ عَنِ الصَّريحِ ۱ وقَد بَيَّنَ الصُّبحُ لِذي عَينَينِ .
إنَّما تُقاتِلونَ الطُّلَقاءَ وأبناءَ الطُّلَقاءِ ، واُولِي الجَفاءِ ومَن أسلَمَ كَرها ، وكانَ لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنفُ الإِسلامِ كُلِّهِ حَربا ، أعداءُ اللّهِ وَالسُّنَّةِ وَالقُرآنِ وأهلُ البِدَعِ وَالأَحداثِ ، ومَن كانَت بَوائِقُهُ تُتَّقى ، وكانَ عَلَى الإِسلامِ وأهلِهِ مَخوفا ، وأكَلَةُ الرُّشا وعَبَدَةُ الدُّنيا .
لَقَد اُنهِيَ إلَيَّ أنَّ ابنَ النّابِغَةِ ۲ لَم يُبايِع حَتّى أعطاهُ ثَمَنا وشَرَطَ أن يُؤتِيَهُ أتِيَّةً هِيَ أعظَمُ مِمّا في يَدِهِ مِن سُلطانِهِ ، ألا صَفِرَت يَدُ هذَا البائِعِ دينَهُ بِالدُّنيا ! وخَزِيَت أمانَةُ هذَا المُشتَري نُصرَةَ فاسِقٍ غادِرٍ بِأَموالِ المُسلِمينَ ! وإنَّ فيهِم لَمَن قَد شَرِبَ فيكُمُ الخَمرَ وجُلِدَ الحَدَّ فِي الإِسلامِ ، يُعرَفُ بِالفِسادِ فِي الدِّينِ وَالفِعلِ السَيِّي ، وإنَّ فيهِم لَمَن لَم يُسلِم حَتّى رُضِخَ لَهُ عَلَى الإِسلامِ رَضيخَةً ۳ .
فَهؤُلاءِ قادَةُ القَومِ ، ومَن تَرَكَت ذِكرَ مَساويهِ مِن قادَتِهُم مِثلُ مَن ذُكِرَت مِنهُم بَل هُوَ شَرٌّ مِنهُم ، وهؤُلاءِ الَّذينَ ذُكِرَت لَو وَلَّوا عَلَيكُم لَأَظهَروا فيكُمُ الفَسادَ وَالكِبرَ وَالفُجورَ وَالتَّسَلُّطَ بِالجَبرِيَّةِ وَالفَسادِ فِي الأَرضِ ، وَاتَّبَعُوا الهَوى وحَكَموا بِغَيرِ الحَقِّ ، ولَأَنتُم عَلى ما كانَ فيكُم مِن تَواكُلٍ وتَخاذُلٍ خَيرٌ مِنهُم وأهدى سَبيلاً ؛ فيكُمُ العُلَماءُ وَالفُقَهاءُ وَالنُّجَباءُ وَالحُكَماءُ ، وحَمَلَةُ الكِتابِ ، وَالمُتَهَجِّدونَ بِالأَسحارِ ، وعَمّارُ المَساجِدِ بِتِلاوَةِ القُرآنِ ، أفَلا تَسخَطونَ وتَهتَمّونَ أن يُنازِعَكُمُ الوِلايَةَ عَلَيكُم

1.الصريح : الخالص من كلّ شيء (النهاية : ج۳ ص۲۰) .

2.أي عمرو بن العاص ، ينسب إلى اُمّه النابغة بنت حرملة (اُسد الغابة : ج۴ ص۲۳۲ الرقم ۳۹۷۱) .

3.الرَّضيخَة : العطيّة (النهاية : ج۲ ص۲۲۸) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
144

فَلَمّا كانَ ذلِكَ مِن شَأنِهِم أمَرتُكُم أن تَمضوا مِن فَورِكُم ذلِكَ إلى عَدُوِّكُم فَقُلتُم : كَلَّت سُيوفُنا ، ونَفِدَت نِبالُنا ، ونَصَلَت ۱ أسِنَّةُ رِماحِنا ، وعادَ أكثَرُها قَصدا ۲ فَارجِع بِنا إلى مِصرِنا لِنَستَعِدَّ بِأَحسَنِ عُدَّتِنا ، وإذا رَجَعتَ زِدتَ في مُقاتَلَتِنا عِدَّةَ مَن هَلَكَ مِنّا وفارَقَنا ، فَإِنَّ ذلِكَ أقوى لَنا عَلى عَدُوِّنا .
فَأَقبَلتُ بِكُم حَتّى إذا أطلَلتُم عَلَى الكوفَةِ أمَرتُكُم أن تَنزِلوا بِالنُّخَيلَةِ ۳ ، وأن تَلزَموا مُعَسكَرَكُم ، وأن تَضُمّوا قَواضِبَكُم ۴ ، وأن تُوَطِّنوا عَلَى الجِهادِ أنفُسَكُم ، ولا تُكثِروا زِيارَةَ أبنائِكُم ونِسائِكُم . فَإِنَّ أصحابَ الحَربِ المُصابِروها ، وأهلَ التَّشميرِ فيهَا الَّذينَ لا يَنوحونَ مِن سَهَرِ لَيلِهِم ولا ظَمَأِ نَهارِهِم ولا خَمَصِ بُطونِهِم ولا نَصَبِ أبدانِهِم ، فَنَزَلَت طائِفَةٌ مِنكُم مَعي مُعَذِّرَةً ، ودَخَلَت طائِفَةٌ مِنكُم المِصرَ عاصِيَةً ، فَلامَن بَقِيَ مِنكُم ثَبَتَ وصَبَرَ ، ولا مَن دَخَلَ المِصرَ عادَ إلَيَّ ورَجَعَ ، فَنَظَرتُ إلى مُعَسكَري ولَيسَ فيهِ خَمسونَ رَجُلاً ، فَلَمّا رَأَيتُ ما أتَيتُم دَخَلتُ إلَيكُم فَما قَدَرتُ عَلى أن تَخرُجوا مَعي إلى يَومِنا هذا .
فَما تَنتَظِرونَ ؟ أ ما تَرَونَ إلى أطرافِكُم قَدِ انتَقَصَت ، وإلى أمصارِكُم قَدِ افتُتِحَت ، وإلى شيعَتي بِها بَعدُ قَد قُتِلَت ، وإلى مَسالِحِكُم ۵ تُعرى ، وإلى بِلادِكُم تُغزى ، وأنتُم ذَوو عَدَدٍ كَثيرٍ ، وشَوكَةٍ وبَأسٍ شَديدٍ ، فَما بالُكُم ؟ للّهِِ أنتُم ! مِن أينَ تُؤتَونَ ؟ وما لَكُم أنّى تؤُفَكونَ؟ ! وأنّى تُسحَرونَ ؟ ! ولَو أنَّكُم عَزَمتُم وأجمَعتُم لَم تُراموا،

1.الإنصال بمعنى النَّزْع والإخراج (لسان العرب : ج۱۱ ص۶۶۳) .

2.أي قِطَعاً (النهاية : ج۴ ص۶۸) .

3.النُّخَيلَة : موضع قرب الكوفة على سمت الشام، وهو الموضع الذي خرج إليه الإمام علي عليه السلام (معجم البلدان : ج۵ ص۲۷۸).

4.القضِيب : السيف اللطيف الدقيق ، والجمع قواضب (لسان العرب : ج۱ ص۶۷۹) .

5.المَسْلَحَة : كالثغر والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدوّ لئلّا يطرقهم على غفلة ، فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهّبوا له ، والجمع مسالح (النهاية : ج۲ ص۳۸۸) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165325
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي