لَم نُعَرِّض لِجارِكُم ولا لِأَحَدٍ مِن أصحابِهِ ، فَماذا تُريدونَ إلى جارِنا وحَربِنا ؟ فَكَرِهَتِ الأَزدُ القِتالَ وقالوا : إن عَرَّضوا لِجارِنا مَنَعناهُم ، وإن يَكُفّوا عَن جارِنا كَفُفنا عَن جارِهِم فَأَمسَكوا .
وكَتَبَ زِيادٌ إلى عَلِيٍّ : أنَّ أعيَنَ بنَ ضُبَيعَةَ قَدِمَ فَجَمَعَ مَن أطاعَهُ مِن عَشيرَتِهِ ، ثُمَّ نَهَضَ بِهِم بِجِدٍّ وصِدقِ نِيَّةٍ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ ، فَحَثَّهُم عَلَى الطّاعَةِ ودَعاهُم إلَى الكَفِّ وَالرُّجوعِ عَن شِقاقِهِم ، ووافَقَتهُم عامَّةُ قَومٍ فَهالَهُم ذلِكَ ، وتَصَدَّعَ عَنهُم كَثيرٌ مِمَّن كانَ مَعَهُم يُمنّيهِم نُصرَتَهُ ، وكانَت بَينَهُم مُناوَشَةٌ ، ثُمَّ انصَرَفَ إلى أهلِهِ فَدَخَلوا عَلَيهِ فَاغتالوهُ فَاُصيبَ ، رَحِمَ اللّهُ أعيَنَ ، فَأَرَدتُ قِتالَهُم عِندَ ذلِكَ فَلَم يَخِفَّ معَي مَن أقوى بِهِ عَلَيهِم ، وتَراسَلَ الحَيّانَ فَأَمسَكَ بَعضَهُم عَن بَعضٍ .
فَلَمّا قَرَأَ عَلِيٌّ كِتابَهُ دَعا جارِيَةَ بنَ قُدامَةَ السَّعدِيَّ فَوَجَّهَهُ في خَمسينَ رَجُلاً مِن بَني تَميمٍ ، وبَعَثَ مَعَهُ شَريكَ بنَ الأَعوَرِ ويُقالُ : بَعَثَ جارِيَةَ في خَمسِمِئَةِ رَجُلٍ ، وكَتَبَ إلى زِيادٍ كِتاباً يُصَوِّبُ رَأيَهُ فيما صَنَعَ وأمَرَهَ بِمَعونَةِ جارِيَةَ بنِ قُدامَةَ وَالإِشارَةِ عَلَيهِ ، فَقَدِمَ جارِيَةُ البَصرَةَ ، فَأَتى زِياداً فَقالَ لَهُ : اِحتَفِز وَاحذَر أن يُصيبَكَ ما أصابَ صاحِبَكَ ، ولا تَثِقَنَّ بِأَحَدٍ مِنَ القَومِ .
فَسارَ جارِيَةُ إلى قَومِهِ فَقَرَأَ عَلَيهِم كِتابَ عَلِيٍّ ووَعَدَهُم ، فَأَجابَهُ أكثَرُهُم ، فَسارَ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ فَحَصَرَهُ في دارِ سِنبيلٍ ثُمَّ أحرَقَ عَلَيهِ الدّارَ وعَلى مَن مَعَهُ ، وكانَ مَعَهُ سَبعونَ رَجُلاً ـ ويُقالُ أربَعونَ ـ وتَفَرَّقَ النّاسُ ورَجَعَ زِيادٌ إلى دارِ الإِمارَةِ ، وكَتَبَ إلى عَلِيٍّ مَعَ ظَبيانَ بنِ عُمارَةَ وكانَ مِمَّن قَدِمَ مَعَ جارِيَةَ . . . وأنَّ جارِيَةَ قَدِمَ عَلَينا فَسارَ إلَى ابنِ الحَضرَمِيِّ فَقَتَلَهُ حَتَّى اضطَرَّهُ إلى دارٍ مِن دورِ بَني تَميمٍ في عِدَّةِ رِجالٍ مِن أصحابِهِ بَعدَ الإِعذارِ وَالإِنذارِ وَالدُّعاءِ إلَى