قالَ لَهُم عَلِيٌّ : ما لَكُم لا تَرُدّونَ جَوابا ولا تُرجِعونَ قَولاً ؟ أدعوكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم سِرّا وجَهرا فَلَم يَزِدكُم دُعائي إلّا فِرارا ، أ تَتَناشَدونَ الأَشعارَ وتَتَسَلَّونَ عَنِ الأَسفارِ ، تَرِبَت يَداكُم ! لَقَد نَسيتُمُ الحَربَ وَالِاستِعدادِ لَها ، فَأَصبَحَت قُلوبُكُم فارِغَةً عَن ذِكرِها .
قالَ : فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ مِنهُم بِشَيءٍ .
فَقالَ : أ وَلَيسَ مِنَ العَجَبِ أنَّ مُعاوِيَةَ يَأمُرُ فَيُطاعُ ويَدعو فَيُجابُ ، وآمُرُكُم فَتُخالِفونَ وأدعوكُم فَلا تُجيبونَ ؟ ذَهَبَ وَاللّهِ اُولُو النُّهى وَالفَضلِ وَالتُّقى ، الَّذينَ كانوا يَقولونَ فَيَصدُقونَ ، ويُدعَونَ فَيُجيبونَ ، ويَلقَونَ عَدُوَّهُم فَيَصبِرونَ ، وبَقيتُ في حُثالَةِ قَومٍ لا يَنتَفِعونَ بِمَوعِظَةٍ ولا يُفَكِّرونَ في عاقِبَةٍ .
لَقَد هَمَمتُ أن أشخَصَ عَنكُم فَلا أطلُبَ نَصرَكُم مَا اختَلَفَ الجَديدانِ ۱
، وإنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، وكَأَنّي بِكُم وقَد وَلّاكُم مِن بَعدي مَن يَحرِمُكُم عَطاءَكُم ويَسومُكُم سوءَ العَذابِ ، وَاللّهُ المُستَعانُ وعَلَيهِ التَّكلانُ .
فَلَمّا فَرَغَ عَلِيٌّ رضى الله عنه ونَظَرَ أنَّهُ لَيسَ يُجيبُهُ أحَدٌ ، انصَرَفَ إلى مَنزِلِهِ ۲ .
۲۸۶۶.الغارات عن عبد الرحمن بن نعيم :اِجتَمَعَ ذاتَ يَومٍ هُوَ [أي بُسرٌ ]وعُبَيدُ اللّهِ بنُ العَبّاسِ عِندَ مُعاوِيَةَ ـ بَعدَ صُلحِ الحَسَنِ عليه السلام ـ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ لِمُعاوِيَةَ : أنتَ أمَرتَ هذَا القاطِعَ البَعيدَ الرَّحِمَ القَليلَ الرَّحمَ بِقَتلِ ابنَيَّ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : ما أمَرتُهُ بِذلِكَ ولا هَوَيتُ .
فَغَضِبَ بُسرٌ ورَمى بِسَيفِهِ وقالَ : قَلَّدتَني هذَا السيفَ وقُلتَ : اِخبِط بِهِ النّاسَ حَتّى إذا بَلَغَتَ ما بَلَغتَ ، قُلتَ : ما هَوَيتُ ولا أمَرتُ .