قبل أن نلجأ للإجابة على هذه الأسئلة وبيان أسباب بقاء الإمام وحيداً ، من الضروري الإشارة إلى نقطتين :
أ : دور الخواصّ في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة
لقد كان للخواصّ على مرّ التأريخ ـ ولا يزال ـ الدور الأكبر في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة التي يشهدها أيّ مجتمع ۱ ، فالنخب هي التي تأخذ موقع الجمهور في العادة وتقرّر بدلاً منه ، على حين ليس للجمهور ـ في الأغلب ـ إلّا اتّباع تلك النخب والانقياد لها . وقد تُرتّب النخبُ المشهد ـ أحيانا ـ بصيغة بحيث تتوهّم الجماهير أنّها صاحبة القرار!
ففي عصرٍ كصدر الإسلام كان لرؤساء القبائل الدور المحوري في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة . وفي عصرٍ آخر صار ذلك التأثير إلى النخب الفكريّة وقادة الأحزاب . أما في العصر الحاضر فإنّ الذي يتحكّم بالجمهور ويوجّهه ويصوغ قراراته هم كبار المشرفين على الشبكات الخبريّة ، وأجهزة الاتّصال المختلفة ، والقنوات والنظم الإعلاميّة ، وأصحاب الجرائد ، والصحفيّون .
ب : دور أهل الكوفة في حكم الإمام
يحتلّ العراق في الجغرافيّة السياسيّة لعصر صدر الإسلام موقع الجسر الذي يربط شرق العالم الإسلامي بغربه ، كما يعدّ مصدراً لتزويد السلطة المركزيّة بما تحتاج إليه من جندٍ وقوّاتٍ عسكريّة . وفي العراق تحظى الكوفة بموقع خاصّ ، وحساسيّة كبرى .
لقد مُصِّرت الكوفة عام 17 ه ؛ لتكون مقرّاً للجند ، حيث تقارَنَ تمصير هذه المدينة مع إيجاد معسكرات كبرى للجند .