195
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

قبل أن نلجأ للإجابة على هذه الأسئلة وبيان أسباب بقاء الإمام وحيداً ، من الضروري الإشارة إلى نقطتين :

أ : دور الخواصّ في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة

لقد كان للخواصّ على مرّ التأريخ ـ ولا يزال ـ الدور الأكبر في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة التي يشهدها أيّ مجتمع ۱ ، فالنخب هي التي تأخذ موقع الجمهور في العادة وتقرّر بدلاً منه ، على حين ليس للجمهور ـ في الأغلب ـ إلّا اتّباع تلك النخب والانقياد لها . وقد تُرتّب النخبُ المشهد ـ أحيانا ـ بصيغة بحيث تتوهّم الجماهير أنّها صاحبة القرار!
ففي عصرٍ كصدر الإسلام كان لرؤساء القبائل الدور المحوري في التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة . وفي عصرٍ آخر صار ذلك التأثير إلى النخب الفكريّة وقادة الأحزاب . أما في العصر الحاضر فإنّ الذي يتحكّم بالجمهور ويوجّهه ويصوغ قراراته هم كبار المشرفين على الشبكات الخبريّة ، وأجهزة الاتّصال المختلفة ، والقنوات والنظم الإعلاميّة ، وأصحاب الجرائد ، والصحفيّون .

ب : دور أهل الكوفة في حكم الإمام

يحتلّ العراق في الجغرافيّة السياسيّة لعصر صدر الإسلام موقع الجسر الذي يربط شرق العالم الإسلامي بغربه ، كما يعدّ مصدراً لتزويد السلطة المركزيّة بما تحتاج إليه من جندٍ وقوّاتٍ عسكريّة . وفي العراق تحظى الكوفة بموقع خاصّ ، وحساسيّة كبرى .
لقد مُصِّرت الكوفة عام 17 ه ؛ لتكون مقرّاً للجند ، حيث تقارَنَ تمصير هذه المدينة مع إيجاد معسكرات كبرى للجند .

1.راجع كتاب «ميزان الحكمة» : الفساد / باب ۳۱۵۳ (دور فساد الخاصّة في فساد العامّة) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
194

إشكاليّة الموضوع

تكمن إشكاليّة الموضوع في الأسئلة الأساسيّة التالية :
ما هي الأسباب وراء ابتعاد أكثريّة الناس عن الإمام علي عليه السلام ؟
لماذا لم يستطع الإمام أن يحافظ على تأييد أغلبيّة الجمهور لحكمه؟
لماذا حلّت الفرقة بين الجماهير خلال حكم الإمام ، ولم يستطع إيجاد وحدة الكلمة بين صفوف الجماهير التي بايعته؟
لماذا صار الإمام أواخر حياته يبثّ شكواه على الدوام من عدم حماية الناس لحركته الإصلاحيّة ، وهو يقول : «هَيهاتَ أن أطلَعَ بِكُم سَرارَ العدَلِ» ۱ ، ويقول : «اُريدُ أن اُداوِيَ بِكُم وأنتُم دائي» ۲ ،
ويقول : «مُنيتُ بِمَن لا يُطيعُ» ۳ ،
ويقول : «لا غَناءَ في كَثرَةِ عَدَدِكُم مَعَ قِلَّةِ اجتِماعِ قُلوبِكُم!» ۴ ،
ويقول : «لَو كانَ لي بِعَدَدِ أهلِ بَدرٍ» ۵ ،
ويقول : «وَدِدتُ أنّي أبيعُ عَشَرَةً مِنكُم بِرَجُلٍ مِن أهلِ الشّامِ!» ۶ .
وبكلمة مختصرة : ما هو سبب إدبار عامّة الناس عن الحكم العلوي بعد ذلك الإقبال منقطع النظير الذي حظي به الإمام يوم البيعة؟
أليس في انفضاض الناس عن الإمام وبقائه وحيداً ما يدلّ على عدم إمكانيّة ممارسة الحكم عمليّاً وفق اُصول المنهج السياسي العلوي ، وأنّه لا مكان للمدينة العلويّة الفاضلة إلّا في دنيا الخيال؟

1.راجع : ص۷۳ ح۲۷۶۷ .

2.راجع : ج۳ ص۵۴۳ ح۲۶۰۶ .

3.راجع : ص۶۹ ح۲۷۵۹ .

4.راجع : ص۷۲ ح۲۷۶۴ .

5.راجع : ج۴ ص۷۶ ح۲۷۷۰ .

6.راجع : ص۷۶ (وددت أنّ لي بكلّ عشرة منكم رجلاً من أهل الشّام) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165070
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي